تأخذ الأمثال الشعبية الصدارة في منظومة العادات والتقاليد والثقافة في موضوع علم اللغة الأنثروبولوجي، وهو العلم الذي يربط فيه العلماء الأنثروبولوجيون بين اللغة والعرق والثقافة، حيث يتم الوصول من خلالها إلى ثقافة الشعوب وأجناسها ووطبيعة تفكيرها، وقد تطرأ على التغيرات اللغوية التي تنشأ على الألسنة دوافع اجتماعية.
تعامَلَ مجموعة من الناس مع اللغة باعتبارها شكل من أشكال السلوك الاجتماعي أو سلوكا نفسياً، ونرى ذلك واضحاً في الفرق بين الريف والمدينة، فعند الهجرة من الريف إلى المدينة نرى القادمين من الريف يتخلّون عن لهجتهم الريفية وتصبح لهجتهم تشبه لهجة أهل المدينة لدوافع اجتماعية، ومجاراة لهؤلاء الناس.
الأنثروبولوجيا اللغوية:
الأنثروبولوجيا اللغوية: هي دراسة متعددة المجالات عن كيفية تأثير اللغة على الحياة الاجتماعية. فهي جزء من فروع الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الذي حاول توثيق وتسجيل اللغات المهددة بالانقراض والاختفاء وحاولت أن تكون شاملة من خلال المائة عام السابقة لتشمل جميع الجوانب الخاصة بتركيب وتكوين اللغة واستخدامها.
تحاول الأنثروبولوجيا اللغوية برهنة أن اللغة تمثل أداة التواصل الأساسية، وتشكّل الأساس الاجتماعي والتفاعل مع مجموعة وتنظم حياتها ومعتقداتها وعاداتها وتقاليدها وقيمها، على نطاق واسع وتنمية الثقافة للعالم الطبيعي والاجتماعي.
نماذج التطور التاريخي للغة:
قد درس أليساندرو دورانتي اللغة، فتبين من خلال هذه الدراسة وجود ثلاثة نماذج عبر تاريخ اللغويات. الأول وهو (لغويات الأنثروبولوجيا) والذي يركز على توثيق وتسجيل اللغات.
الثاني معروف باسم (الأنثروبولوجيا اللغوية) والذي يتعلّق بالدراسات النظرية لاستخدامات وأشكال اللغة.
النموذج الثالث الذي تطور خلال الفترة الماضية، وهو يدرس القضايا المهتمة بالفروع والمجالات الأخرى للأنثروبولوجيا باستخدام أدوات واساليب البحث اللغوية. فعلى الرغم من أنها تطورت بصورة متدرجة ومتسلسلة، فكل هذه النماذج موجودة حتى يومنا هذا.
النموذج الأول: اللسانيات الأنثروبولوجية
يُعرف هذا النموذج أيضاً باسم اللسانيات الأنثروبولوجية. وتخصص هذا المجال في توثيق اللغات التي كانت مهددة بالانقراض، مع التركيز بشكل خاص على لغات قبائل أمريكا الشمالية الأصلية. وهو الشكل الأكثر تركيزًا على علم اللسانيات. وتشمل المواضيع ما يلي:
- وصف قواعد اللغة.
- تصنيف اللغات نمطيًا.
- النسبية اللغوية.
النموذج الثاني: الأنثروبولوجيا اللغوية
ويمتاز هذا النموذج الفكري بالتحول والتغير من اللسانيات الأنثروبولوجية إلى الأنثروبولوجيا اللغوية، ممّا يعطي تركيز أنثروبولوجي أكثر وأدق على الدراسة.
حاول ديل هايمز استنتاج هذا المصطلح، وكان هو صاحب فكرة علم الإثنوغرافيا للاتصالات. ومن خلال هذا المصطلح رسم هايمز لمستقبل الأنثروبولوجيا اللغوية، إذ يتم دراسة اللغة في سياق الوضع الحالي، ونسبة إلى المجتمع الناطق بها. وخلال العصرالجديد احتوى العديد من التحديثات والتطورات التقنية الحديثة، مثل التسجيل الآلي.
وأسهم هايمز في إحداث الثورة في الأنثروبولوجيا اللغوية، وتضمنت وحدة جديدة من التحليل. وبخلاف النموذج الأول، الذي اهتم بدراسة الوسائل اللغوية مثل الصوت والمقطع الصرفي، كانت وحدة التحليل في النموذج الثاني هي (الحدث الكلامي).
الحدث الكلامي: هو حدث محدد بالكلام الذي يحدث خلاله (مثال: محاضرة أو نقاش). ويختلف اختلاف تام عن الموقف الكلامي، الذي من الممكن أن يحدث الكلام فيه (المثال: العشاء). كان رائدًا في منهج أنثروبولوجي لغوي في الإثنولوجيا الشعرية.
حاول هايمز في أن يربط هذا النموذج في الأنثروبولوجيا اللغوية أكثر بالأنثروبولوجيا. ورؤية هايمز أتت بنتائج عكسية، حيث أن النموذج الثاني جاء بإبعادًا التخصص الفرعي عن بقية الأنثروبولوجيا.
النموذج الثالث: مسائل الأنثروبولوجيا المدروسة بواسطة الوسائل والبيانات اللغوية
ظهر هذا النموذج الفكري في أخر الثمانينيات، حيث اهتم بالتركيز على الأنثروبولوجيا من خلال إيجاد منهج لغوي للمسائل الأنثروبولوجية. عوضاً من التركيز على استكشاف وإيجاد اللغة، ركز علماء الأنثروبولوجيا في النموذج على دراسة الثقافة من خلال استخدام الوسائل اللغوية، مثل:
- استقصاء الهويات الشخصية والاجتماعية.
- الأيدولوجيات المشتركة.
- إنشاء التفاعلات بين الأفراد.
بالإضافة إلى أن النموذج الثالث يحاول استخدام وثائق الفيديو لدعم البحوث، تُشابه فيها مع الطريقة التي استخدمت في النموذج الثاني.
الاهتمامات:
ما زالت الأنثروبولوجيا اللغوية الحديثة تهتم بدراسة جميع النماذج الفكرية الثلاثة: توثيق وحفظ اللغات، دراسة اللغة عن طريق المضمون والمحتوى، ودراسة الهوية بالوسائل اللغوية، حيث يعتبر النموذج الفكري الثالث وهو دراسة المسائل الأنثروبولوجية دراسة خصبة ومهمة بالأخص لعلماء الأنثروبولوجيا اللغوية المعاصرين.