اقرأ في هذا المقال
- كيف قام الإسلام في توحيد شبة الجزيرة العربية؟
- تسلسل أحداث توحيد شبة الجزيرة العربية
- الوفود وشبة الجزيرة العربية
- موقف أبو بكر الصديق في توحيد الجزيرة العربية
كيف قام الإسلام في توحيد شبة الجزيرة العربية؟
يمكن القول بأنّ التاريخ السياسي في شبه الجزيرة العربية لم يبدأ إِلا بالإِسلام، وأنّ الإِسلام هو أعظم عامل من عوامل التأثيـر في شبه الجزيرة العربية على امتداد تاريخها. إِنّ الإِسلام هو الذي أعطى شبه الجزيرة مكانتها التاريخية، وهو الذي جعل من أهلها أول أمة إِسلامية، وهو الذي حفظ لغتها من الضياع أو التحريف.
وكان الإِسلام منذ زمن النبي محمد دعوة للوحدة بعد دعوة التوحيد التي بعث من أجلها محمد بن عبد الله رسول الله وخاتم النبيين، كما بعث من قبله كل الرسل للهدف نفسه، ولا نستطيع أن نحصي أثر الإِسلام في شبه الجزيرة العربية على أرضها وقبائلها المتفرقة، وعلى أهلها وعقائدهم، وعلى لغتها وتاريخها كله.
ويكفينا القول أنّ الإِسلام أعطى شبه الجزيرة مكانةً في التاريخ الذي كان للأمم والشعوب وجعلها بعقيدته وشريعته في موضع الخير بين الأمم، وفي مقام الشهادة على الناس في ظل دعوة التوحيد التي انبعثت في مكة المكرمة، قامت دولة الوحدة في المدينة النبوية، أول دولة للإِسلام، واستشرفت أن توحّد العرب وقبائلهم المتفرقة في ظل عقيدة التوحيد، وتحت راية الإِسلام.
روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ” لما خرج النبي من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إِنا لله وإِنا إِليه راجعون” . وقد كان الجهاد من أجل توحيد الله وإِفراده وحده سبحانه بالعبادة، ومن أجل وحدة شبه الجزيرة على ذلك. تعد معركة بدر من أشهر معارك التاريخ الإِسلامي، وهي من أعظم انتصارات الإِسلام، ومن أهم معاركه الدينية، على الرغم من قلة عدد المقاتلين فيها الذي يقدر عددهم بنحو ١٣٠٠ من الجانبين، ولم تزد فيها ساعات القتال على أربع ساعات أو خمس على الأكثر.
وبعد ذلك معركة أُحد وقد كانت قريش تريد الانتقام لهزيمتها في معركة بدر واضطرب أمر المسلمين في المعركة لما خالف الرماة أمر رسول الله بألا يتركوا مواقعهم ثم ثبت الرسول حتى تمت هزيمة المشركين وملاحقتهم إِلى حمراء الأسد في اليوم التالي، فوقع الرعب في قلوب المشركين، وأسرع المشركون بالعودة إِلى مكة.
وبعدها حدثت غزوة الخندق، وهي معركة قام بها أحزاب المشركين في الاتفاق على مهاجمة مدينة الرسول الله صلى الله علية وسلم وقاعدة الإِسلام، فأقام المسلمون خندقًا حول المدينة يحجز عنها المشركين ويجعلهم في العراء وتصدى المسلمون لمن كان يعبر الخندق من المشركين، وأراد الله أن تكون هزيمة المشركين هزيمةً كبيرةً.
كانت قريش قد جمعت أعوانها لتقوم في مواجهة حاسمة مع الإِسلام وأهله، فتحالفت مع يهود بني النضير، ومع قبيلة غطفان، وبني أسد وبني سليم وسارت مع قريش الأحابيش وأهل أمية فـصاروا في جمع عظيم سماهم االله تعالى الأحزاب. ذكر ابن إِسحاق أن عددهم كان عشرة آلاف.
تسلسل أحداث توحيد شبة الجزيرة العربية:
لقد رأى الرسول صل الله عليه وسلم أن يبدأ في شمال الحجاز إِلى الشام بعد أن عقد صلح الحديبية، وكان يعلم أنّ يهود خيبر أغنياء، ورأى من صدق عزيمة المؤمنين بعد صلح الحديبية، قيامه في تأمين مراكز العمران في شمال شبه الجزيرة ويحرم قبائل البدو وأعاريب نجد من المراكز المدنية التي يحتمون فيا في مواجهة الإِسلام، فكانت هدنة الحديبية فرصة أمام المسلمين لتصفية هذا الجيب اليهودي المعلن في عداوته للإِسلام، وفي سورة الفتح إِشارة إِلى مغانم المسلمين التي حصلو عليها، وقد نزلت السورة في طريق العودة من الحديبية.
كانت من شروط الصلح أن من أراد الدخول في جانب الحلف مع النبي محمد عليه سلام الله وبركاته دخل، ومن أراد الدخول في جانب قريش دخل ودخلت بكر في عهد قريش فدخلت قبيلة خزاعة في عهد محمد، وقد حدث بعد نحو ثمانية عشر شهراً من الصلح أن قامت في الإعتداء على خزاعة بليل، ظناً منها أنّ الرسول لن يعلم بهذا العدوان والنقض للعهد وأمدت قريش بكراً في عداوتها حقداً على الإِسلام والمسلمين فاستنجدت خزاعة بالرسول فأمر الرسول بالجهاد، وقد بلغ جيش المسلمين نحو عشرة آلاف، ولم يتخلف أحد من المهاجرين والأنصار، وخرج المسلمون في رمضان سنة ثمان من الهجرة.
وقد اتفق أهل السيّر والمغازي أنه خرج في العاشر من رمضان، ودخل مكة لمدة تسع عشرة ليلة خلت منه. دخل الرسول صلى االله عليه وسلام مكة من أعلاها خاشعاً شاكراً يقرأ سورة الفتح، كما روى البخاري في صحيحه، وكان فتح مكة كما أراد االله ورسوله يوم مرحمة لا يوم ملحمة، وأعطى الرسول الأمان لأهل مكة قائلاً : “من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن. وحين خاطبه أهل مكة في أمرهم بعد الفتح، قال رسول االله ” اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
ومنذ أن تمّ فتح مكة استقر حكم الإسلام والمسلمين على أرض البيت الحرام إِلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، إِن شاء الله. وتلا فتح مكة غزوتين حنين والطائف، وبسبب الحامين في الجولة الأولى من القتال في غزوة حنين ولثبات الرسول أثر كبير في اجتماع المسلمين حوله، حين ناداهم العباس عم النبي وهجموا على الكفار فهزموهم، ولم يثبت المشركون في الجولة الثانية ففروا، وخلفوا وراءهم قتلاهم وغنائم كثيرةً.
وقال الرسول محمد صلى الله علية وسلم حين قام في إرسل رجلاً؛ ليتمكن من تخبير القوم من أعـدائه قبل المعركة بيوم، وحكى له الرجل عن خبرهم وعددهم وعدتهم وخيلهم وإِبلهم، تلك غنيمة المسلمين غداً، إِن شاء االله تعال وبعد أن انتهى الرسول محمد من تعقب الفارين توجه إِلى الطائف؛ لكي يقضي على ثقيف التي فرت من حنين، وتحصنت بالطائف، فحاصرها الرسول، ثم دعا لها بالهداية وتركها، وبعد فترة قليلة وبعد عودة الرسول من تبوك، جاء وفد ثقيف وكان قد أعلن إِسلامه.
لقد أشرنا إِلى أهم غزوات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وهي وسراياه التي بعثها لجهاد المشركين مبثوثة في كتب السيّر والمغازي، أشرنا إلى هذه الغزوات الكبار؛ لأنها كانت بنصر االله لرسوله أول نجاح لوحدة شبه الجزيرة بعد دعوة التوحيد. ويمكن تقسيم مراحل سيطرة أمة الإِسلام ودولته على شبه الجزيرة كلها إِلى مراحل بحسب السرايا والغزوات، وما أدت إِليه من دخول قبائل ومناطق عديدةً في الإِسلام.
إنّ من أهم المراحل التي قام بها المسلمين هي السيطرة على المدينة ومنطقتها، ثم السيطرة على بقية الحجاز والقضاء على اليهودية الكبرى، ثم السيطرة على نجد، وانفتاح الطريق إِلى شرقي الجـزيرة وجنوبهـا الشـرقي وبسط سلطان الدولة الإِسـلامية على الشعيبة، ميناء الحجاز ثم المرحلة الأخيرة التي فتح فيها اليمن على يد علي بن أبي طالب وبذلك خـضـعت شـبـه الجزيرة كلها للإِسلام في السنة الحادية عشر للهجـرة في عام يوليو سنة ٦٣٢ميلادي.
ولم يكن من الضروري أن يفتح الإِسلام بجيشه كل شبه الجزيرة، ولكن فتح الحواضر الكبرى فيها كان كافياً؛ لكي يعم الإِسلام شبه الجزيرة كلها في العهد النبوي، فالسيطرة على مكة والمدينة والطائف وخيبر وتيماء وتبوك والبحرين وصعدة وصنعاء، كان كافياً للسيطرة على شبه الجزيرة كلها، وأنّ يسود الإِسلام بين أهلها، ولم يكن توحيد شبه الجزيرة في عهد الرسول نتيجة قتال أو حروب فحسب، بل كان لإِسلام كثير من القبائل وتسليمها للرسول أثر كبير.
الوفود وشبة الجزيرة العربية:
ففي العام التاسع للهجرة الشريفة قام في الوفد على الرسول صلى الله عليه وسلم وفود كثيرة حتى سمي عام الوفود، ومنها وفد بلاد الشاطئ من حضرموت، وأقر الرسول وائل بن حجر الكندي على إِمارته، وكتب فروة بن عمرو الجذامي عامل الروم إِلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بإسلامه، فلما علم الروم بذلك سجنوه وقتلوه، كما وفدت على الرسول وفود بني تميم وبني حنيفة وقـحطان وثقيف وأسد وغسان ونجران، وغيرهم.
موقف أبو بكر الصديق في توحيد الجزيرة العربية:
وفي أوائل عهد أبي بكر حـدثت الردة من بعض القبائل وكان للقبلية أثرها في ذلك، إِذ أيدت بعض القبائل مثل كندة وأهل اليمامة المرتدين، ولكن الخليفة أبو بكر الصديق وقف من تلك الفتنة الدينية والسياسية موقفاً حازماً، فحارب مانعي الزكاة والمرتدين، ومن أشهر القواد الذين أسهموا في ذلك الصحابي الجليل خالد بن الوليد وكتب الله لأبي بكر النصر على المرتدين، وعلى الفرقة السياسية التي بدأت تظهر في شبة الجزيرة.
تعد الوحدة أحد أهم الأمور التي سعى إليها الإسلام منذ بدء ظهوره ويتمثل ذلك في شكل واضح في موقف الخليفة أبو بكر الصديق عندما قام أبو بكر في تقسيم الجـزيرة العـربيـة إِلى العديد من الولايات: مكة والطائف وصنعاء والبحرين وعين وحضرموت وخولان على هذه الولايات ولاة من قبله.
كانت تلك الخطوة في الوحدة السياسية أول وحدة ضمت شبه الجزيرة العربية وأول لبنةً في بناء الأمة الإِسلامية، فقد توسع امتداد الإِسـلام في القـرن الأول الهجري، بعد أنّ قامت الدولة الإِسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بتوحيد شبه الجزيرة تحت راية الإِسلام.