الإنجازات والانتقادات في الأنثروبولوجيا المعرفية

اقرأ في هذا المقال


الإنجازات في الأنثروبولوجيا المعرفية:

تتمثل أحد الإنجازات الرئيسية للأنثروبولوجيا المعرفية في أنها توفر أوصافًا مفصلة وموثوقة للتمثيلات الثقافية. بالإضافة إلى ذلك، فقد تحدت أفكار الثقافة المتجانسة وساعدت على جسر الثقافة وعمل العقل. كما ساعد نهج الثقافة والشخصية في إظهار كيف أثر التنشئة الاجتماعية للفرد على أنظمة الشخصية التي بدورها أثرت على الممارسات والمعتقدات الثقافية، حيث تتأثر النفس بالتمثيلات التي تتعلمها من خلال المشاركة في التراث الثقافي البشري.

ويتأثر هذا التراث بدوره بحدود وقدرات النظام المعرفي البشري، وأيضاً ساعدت الأنثروبولوجيا المعرفية في الكشف عن بعض الأعمال الداخلية للعقل البشري، ومنحتنا فهماً أكبر لكيفية ترتيب الناس وإدراكهم للعالم من حولهم. وإلى حد بعيد، فإن أبرز إنجازات الأنثروبولوجيا المعرفية هو تطويرها للمنهجيات الثقافية التي تعتبر تمثيلات صحيحة وموثوقة للفكر البشري.

الانتقادات في الأنثروبولوجيا المعرفية:

1- أشد الانتقادات للأنثروبولوجيا المعرفية من ممارسيها:

جاءت بعض أشد الانتقادات للأنثروبولوجيا المعرفية من ممارسيها، وفقًا للعالم الأنثروبولوجي روي، فإن ما يسمى بالإثنوغرافيا الجديدة لم يكن قادرًا على تجاوز تحليل المجالات الدلالية المبسطة والمصطنعة في كثير من الأحيان، حيث مال علماء الأعراق إلى دراسة أشياء مثل فئات الألوان والتصنيفات الشعبية، دون أن يكونوا قادرين على توضيح علاقتها بفهم الثقافة ككل، كما أخذ علماء الأعراق زمام المبادرة من القواعد التوليدية في علم اللغة، وسعى علماء الأعراق إلى قواعد ثقافية، بهدف تجاوز تحليلات الفئات والمجالات الدلالية إلى مجالات سلوكية أوسع. إذ حاول علماء الإثنولوجيا أن يميزوا كيف يفسر الناس عالمهم من الطريقة التي يصفونها ويتحدثون عنها.

2- جميع الباحثين يقومون بمعظم أبحاثهم باللغة الإنجليزية:

ومع ذلك بينما حاول علماء الأنثروبولوجيا المعرفية في العقدين الماضيين معالجة هذه المشكلات، فقد تسببوا في مشاكل خاصة بهم، وواحدة من أكثر المشاكل وضوحاً هي أن جميع الباحثين تقريباً يقومون بمعظم أبحاثهم باللغة الإنجليزية. وهذا أمر متوقع، بالنظر إلى الطبيعة المتقنة لأساليب التحقيق المستخدمة الآن، ولكنه يطرح السؤال حول مدى قابلية النتائج للتطبيق على الثقافات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل متعددة قيد التشغيل في أي لحظة من الصعب تفسيرها باستخدام الأساليب القياسية للأنثروبولوجيا المعرفية.

3- محاولة علماء الأنثروبولوجيا المعرفية استكشاف الخصائص العاطفية للثقافة:

في الآونة الأخيرة، حاول علماء الأنثروبولوجيا المعرفية استكشاف الخصائص العاطفية للثقافة التي أدركها بيتسون وبنديكت وميد منذ فترة طويلة. كما أن صعوبات إدارة العاطفة كعامل في التخطيطات يتم تناولها الآن، ولكن يبقى أن نرى مدى نجاح علماء الأنثروبولوجيا المعرفية في ربط العاطفة والعقل.

4- الأنثروبولوجيا المعرفية تتعامل مع النظريات المجردة المتعلقة بطبيعة العقل:

الأنثروبولوجيا المعرفية تتعامل مع النظريات المجردة المتعلقة بطبيعة العقل. على الرغم من وجود عدد كبير من الأساليب للوصول إلى الثقافة الموجودة في العقل، تظل هناك أسئلة حول ما إذا كانت النتائج تعكس في الواقع كيفية تنظيم الأفراد وإدراكهم للمجتمع، أو ما إذا كان يتم تصنيعها فقط من قبل المحققين، وليس لها أساس في واقع رعاياهم. ولكن رومني ومور يقترحان أن الناس يفكرون بالفعل من منظور الفئات (المجالات) المفصلية بشكل فضفاض. ويراجعون بعض الأعمال ذات الصلة في مجالات علم الأعصاب وعلم النفس ويربطونها بالنتائج في الأنثروبولوجيا المعرفية.

وعلى وجه الخصوص، لاحظوا أنه عندما يرى الناس شيئًا ما، يتم إنشاء تمثيل للصورة في الدماغ بطريقة فردية. والصور التي تظهر بشكل مرئي قريبة من بعضها البعض يتم تعيينها على هذا النحو في التمثيلات العقلية (مثل القياس متعدد الأبعاد). وعلاوة على ذلك، فإن الأشخاص الذين عانوا من نوع من صدمة الرأس يفقدون الذاكرة ليس بشكل عشوائي، ولكن بشكل منهجي. حيث يتم نسيان أجزاء من المعرفة، المعرفة التي تتعلق بمجالات معينة، مما يعني ضمناً أن مجموعة الكلمات في المجال الدلالي قد تكون وحدات وظيفية محلية في الدماغ.

5- الاتفاق العالمي على كيفية العثور على الثقافة في العقل لم يظهر بعد:

نقد آخر هو أن الاتفاق العالمي على كيفية العثور على الثقافة في العقل لم يظهر بعد. فعندما يقارن المرء أعمال الشخصيات الرئيسية في هذا المجال، مثل بيتسون وبنديكت وميد، فمن الواضح أن لكل منهم فكرة مختلفة حول كيفية متابعة أهداف المجال، بينما قد يجادل البعض بأن هذا نقص، إلا أنه يشهد على حيوية المجال ومركزية القضايا قيد الخلاف، وعلاوة على ذلك، عند التعامل مع قضية معقدة مثل العقل البشري والعمليات العقلية والثقافة، من المفيد البحث عن تقارب متعدد الأوجه.

كيف ركز علماء الأنثروبولوجيا المعرفية الأوائل على العلاقة بين العقل والمجتمع؟

على الرغم من العمل من مختلف الافتراضات النظرية، فقد ركز علماء الأنثروبولوجيا المعرفية الأوائل على العلاقة بين العقل والمجتمع، لكنهم أكدوا على تأثير المجتمع على العقل البشري. واستمر هذا الاتجاه الفكري خلال القرن الثامن عشر وظهر جلياً في عناوين الكتب البارزة في هذا العصر، مثل كتاب “التقدم التاريخي للعقل البشري”، و”الخطوط العريضة لتقدم العقل البشري”، كما اقترح علماء الأنثروبولوجيا المعرفية الأوائل أن البشرية مرت بثلاث مراحل من التعقيد المتزايد هي: الصيد والرعي والزراعة.

ففي أوائل القرن التاسع عشر، طور هؤلاء العلماء فلسفة أصبحت تعرف بالوضعية، واقترحوا أن أنماط التفكير السابقة كانت تخمينية بشكل غير كامل، وأن المعرفة يجب اكتسابها من خلال الملاحظة التجريبية، ولقد رأوا أن التعقيد الفكري تطور بنفس الطريقة التي تطور بها المجتمع والكائنات البيولوجية.

كما كان الممارسون الأوائل للأنثروبولوجيا المعرفية مهتمين أيضًا بالعلاقة بين العقل البشري والمجتمع من خلال عرض بياناته من خلال منظور التطور، وواصلوا تقليد التنوير لشرح الظاهرة التي لاحظها كنتيجة لزيادة العقلانية. حيث كان إي بي تايلور، الذي شارك العديد من آراء مورغان، مهتمًا أيضًا بجوانب العقل في المجتمعات الأقل نموًا. حيث إن تعريفه للثقافة بأنها الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق وأي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع، يعكس هذا الاهتمام.

هناك أيضًا روابط غنية بين العلوم المعرفية والأنثروبولوجيا من خلال الأنثروبولوجيا البيولوجية والأنثروبولوجيا اللغوية. فالأنثروبولوجيا البيولوجية تساهم الآن في فهم البشر لتطور العقل وتطور القدرة على الثقافة من خلال الدراسات المقارنة لإدراك الإنسان والرئيسيات. كما تواصل الأنثروبولوجيا اللغوية تبادلًا نشطًا مع العلوم المعرفية عبر البراغماتية والعمليات المفاهيمية ودراسات الإيماءات. حيث جلبت العديد من المجلدات المحررة حديثًا علماء الأنثروبولوجيا مع علماء معرفيين آخرين لمعالجة الأسئلة المشتركة المتعلقة بالتفاعل البشري.


شارك المقالة: