الاتجاهات النظرية الحديثة والمعاصرة في علم الاجتماع السياسي:
1- الاتجاهات النظرية منذ عصر النهضة:
بعد أن كان المجتمع الأوروبي يرزح تحت وطأة العوائق والقيود التي كانت تحيط به في العصور الوسطى، فقد شهد تغيرات اقتصادية كبيرة منذ نهاية القرن الخامس عشر كان لها واقعاً كبيراً على الحياة السياسية والاجتماعية، حيث لم يعد نظام السيطرة الذي انتشر في الماضي صالحاً لحركة التجارة والصناعة التي كبرت دوائرها، نتيجة لتقدم وسائل المواصلات وفتح الأسواق الجديدة.
فكانت بداية التغيير بانهيار الكنيسة الكاثوليكية بفعل الثورة البروتستانتية التي مزقت البناء الثيولوجي القديم من داخله، ذلك البناء الذي يتضمن توجيهاً أيديولوجياً لواقع متميز المعالم من حيث تفاعلاته وعلاقته وضوابطه وظواهره ونظمه الاجتماعية، وهي المكونات التي ترجع في مرتكزاتها الأساسية إلى ما تمليه الديانة الكاثوليكية، وساعد انهيار البناء الثيولوجي القديم إلى انهيار البناءات الاجتماعية الواقعية، فوجد المجتمع الأوروبي نفسه في حالة من اللامعيارية واللانظامية، فكان عليه بأن يتجه أفراده إلى التحرر أولاً، ومن ثم إلى الحاجات الواقعية الملحة، والبحث عن واقع جديد في إطار نظام اجتماعي مستحدث على أسس جديدة.
إن مجموعة التغيرات التي قامت في المجتمع الأوروبي بما رافقها من انهيار وإعادة ترميم، قد أحدثت نوع من التفكير المستنير العلمي بعد سيادة التفكير اللاهوتي في مراحل سابقة، وقد أسس ذلك لبداية عصر جديد يحترم تفكير الأفراد واستخدام العقل في حل المشاكل الاجتماعية والسياسية.
ومعالجة الانحدار الأخلاقي المسيطر على المجتمع الأوروبي في حينه، بحيث انعكس كل ذلك على التوجهات السياسية التي طورت على يد العديد من المفكرين الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين، الذين عمدوا كما هو الحال لدى الطبقة الوسطى التجارية، إلى احداث تغييرات اجتماعية وسياسية تهدف إلى تنظيم المجتمعات الأوروبية بما يتلاءم مع العصر الجديد.
2- نظريات العقد الاجتماعي:
برزت نظريات العقد الاجتماعي، والتي يطلق عليها أحياناً نظريات العقد السياسي في أعقاب عمليات الانهيار والتجديد في البنى المختلفة التي تعرض لها المجتمع الأوروبي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، لتعكس فترة تاريخية سياسية جديدة لم تعرفها المجتمعات الإنسانية من قط.
وحيث أن نقطة البداية قد تأسست خلال هذه الفترة، إلا أن صياغة المجتمع الجديد قد استغرقت الفترة ما بين عصر النهضة وعصر التنوير، إي الفترة التي استمرت حتى نهاية القرن الثامن عشر، وطرحت خلالها تصورات عديدة متباينة ومتناقضة أحياناً، إلا أنها جميعاً تتفق على عدم كفاءة النظام الثيولوجي القديم وتجسيداته الدافعية لتنظيم الحياة المجتمعية.
والبحث عن تأسيس نظام جديد يعطي للإنسان مساحة أرحب للمشاركة في صنع النظام الذي يدعم مشاركته في المجتمع ويساعد على النمو الملائم لإمكانياته، لذا فإن الفكر السياسي خلال تلك الفترة، خطى خطوات سريعة نحو طرح العديد من الأفكار التي من شأنها أن تعزز السلطة السياسية، وتضمن وجود حدود شرعية متوافق عليها بين المسيطرين والخاضعين، تمثل ذلك في الآراء التي جاء بها كل من توماس ولوك ورسو فيما كون بعد ذلك نظريات العقد الاجتماعي.