الاتجاه السيكوديناميكي للثقافة

اقرأ في هذا المقال


الاتجاه السيكوديناميكي للثقافة:

يفترض الاتجاه السيكوديناميكي أن قاعدة الخبرات بما فيها المشاعر المصاحبة هي واحدة من أشياء كثيرة يخزنها الفرد في اللاشعور، وقد ظهر هذا الاتجاه في الانثربولوجيا الثقافية في بداية الاربعينات من القرن العشرين، ويعود الفضل في ذلك إلى جهود العالم النفساني النمساوي سيغموند فرويد الذي استمد أفكاره الأساسية من كتاب الطوطمية والزواج الخارجي للعالم.

وقد وضح العالم فرويد في كتابه مستقبل الوهم سنة 1928 أن الثقافة تساند الإنسان، وتتحكم في علاقات أبناء المجتمع بعضها ببعض، وبناء على ذلك هكذا تعتبر الثقافة بمكانتها حماية الشخص، واعتبر الدين من القوى الاجتماعية التي تؤدي إلى تماسك المجتمع.

كما وضح في كتابه المدينة ومتاعبها سنة 1930 وتحدث عن كيفية تاثير الثقافة في الغرائز التي أعطتها الطبيعة للإنسان، وحاول أن يبحث عن جذور الثقافة لكي يتخذ من فكرة ضبط الغرائز نقطة محورية تدور حولها أفكاره، أي البحث عن قاعدة يسيطر بها على الغرائز، حتى يتمكن المجتمع من أداء وظيفته على أكمل وجه.

وفي كتابه الطوطم والتابو اعتقد أن التابو أو الأمور المحرمة من الجانب الديني هي أساس فكرة العبادة، وشبه الرجل البدائي الذي يحرم على نفسه التابو بالرجل المريض بأمراض عصبية، لأنه في كلتا الحالتين يحرم الفرد على نفسه لمس بعض الأشياء أو الاقتراب منها، فهو يرغب فيه أشد الرغبة من ناحية، وهو يرهبه ويخشاه أشد الرهبة والخوف من ناحية أخرى، فيتولد عنده كبت وبذلك ينتهي فرويد إلى أن الكبت هو أساس النواهي الدينية.

وكما يلاحظ أن فرويد بصفته عالم فإنه مثل أي عالم في العلوم الثقافية وغيرها، وفد عمل على تطوير وتنقيح نظريته في جميع تواحي الحياة، وذلك بواسظة منهج التحليل النفسي.

فالفرد الذي يهتم بأمر تطور نظرية الثقافة الشخصية التي تنتمي إلى أمر الموضوعية والدقة، كذلك العالم فرويد وللمفاهيم التي طرحها فيها وإلى التحليل الذي صوره، يُلاحظ أنه قام بعدة تعديالت في نظريته حتى أصبحت على شكلها الحالي، والمتفحص لهذه التعديلات يجد من خلالها مؤشرات ودلالات على منهجية علمية ناجحة اتبعها فرويد.

علماً بأن عملية إيجاد مجموعات من تعديلات في نظرية ما أو في مسار علمي معين من العلوم الثقافية، تعتبر بمثابة نهج علمي موضوعي تعتمدهُ فروع المعرفة كافة، ومنها العلوم الطبيعية.

وهذا أمر في وسط أمور فلسفة العلم، وبالرغم مما قدمه فرويد في مجال دراسة الشخصية، فقد تعرضت نظريته الانتقادات شديدة كونها يغلب عليها الطابع النفسي، وما هي الا تكرار الافكار سابقة ليست لها قيمة تفسيرية.

ويتضح من تحليل اتجاه الثقافة السيكوديناميكية في أمور الثقافة أن جهود العالم فرويد في مجال علم النفس الفردي لا تحتوي على قيمة علمية بالنسبة للعالم الاجتماعي، وتعتبر بذلك أعمال العالم فرويد السوسيولوجية عديمة الجدوى.

وعلى أثر ذلك ظهرت العديد من النواحي التي تعمل على الاتجاه الثقافي السيوديناميكي، كالاتجاه الذي حددته جامعة كولومبيا، والذي يركز على استخدام السيكوديناميكية الثقافية التكيفية في العلوم الاجتماعية. وقد حدد العالم كاردينر طريقة استخدام السيوديناميكية الثقافية في الانثربولوجية أنها تتميز بالاتي:

أ- لم يلحق بشكل مباشر التطور الاجتماعي منهج ذو اتجاه واحد، ولذلك يجب دراسة كل مجتمع بذاته، وفي ضوء ذلك يتفق كاردينر مع مالينوفسكي والوظيفي باعتباره كياناً مستقلاًُ.

ب- لكي يفهم نظم المجتمع الثقافية، يجب أن يقوم بمحاولة إعادة تركيب أمور التكيف التي واجهت المجتمع، ومن المعروف أنه يوجد مسارات عديدة لحل نفس المشكلة الاجتماعية الواحدة، ففي بعض المجتمعات التي تظهر فيها المجاعات، يقتضي معه الحد من زيادة السكان، ولذلك تلجأ بعض المجتمعات للحد من هذه الزيادة إلى قتل المواليد الإناث، بينما تقوم مجتمعات أخرى بحل هذه المشكلة “بأكل الأطفال”.

ج- تعتبر النظم الاجتماعية من أبرز العلاقات المنمطة التي تساعد الفرد على أن يتكيف مع البيئة البشرية والطبيعية المنتمية للثقافة.

د- إن فشل أو نجاح النمط الاجتماعي يترتب عليه نتائج غير سليمة، فإن نظرة النسبيين المتطرفين إلى أن النمط الاجتماعي يسمح بأشياء متعددة، إنما هو منظور ثقافي خاطئ بشكل كامل، فقد يكون للنمط الاجتماعي الذي يتصف بالسوء آثار سيئة تنعكس على الوحدة البشرية مما يعرضها للكوارث، بل يعرض الثقافة كلها للخطر إما آجلاً أو عاجلاً.


شارك المقالة: