الاتجاه الظاهراتي عند ألفرد فيركانت في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الاتجاه الظاهراتي عند ألفرد فيركانت في علم الاجتماع:

رأى فيركانت أن علم الاجتماع يجب أن يقتصر على دراسة الخصائص النوعية للمجموعات وعلى تقديم نظرية عن التفاعل الاجتماعي ونتائجه على أساس أن يكون التركيز على العوامل الذاتية والداخلية وليس على المظاهر الخارجية للتفاعل، فعلم الاجتماع يختلف عن العلوم الطبيعية ﻷن الإنسان يتميز بخصائص عقليه تنجم عن معيشة أفراده سوياً.

وهذه الحالات العقلية هي التي يجب أن يدرسها العلم الاجتماعي، ولذلك فإن المنهج الفينومنيولوجي هو المنهج الوحيد الصالح لعلم الاجتماع، والمنهج الظاهراتي يتلّخص في فحص عملية الوعي، ويتطلب ذلك تركيز الاهتمام على جوانب الخبرة الشعورية، وليس على التعبيرات الظاهرية مثل السلوك، أي على المعاني الكامنة للأشياء، ويحاول المنهج الظاهراتي بذلك ومن خلال تحليل الخبرة أن يكشف عن استعدادات اجتماعية أساسية معينة يفترض أنها المسؤولة عن الحياة المشتركة، وهذه الاستعدادات الأساسية أو الجوهر، يمكن اكتشافها فقط عن طريق التمييز بين الحالات العقلية.

فهناك عمليات عقلية قد تبدو متشابهة ولكنها في الواقع مختلفة تماماً، فالخجل مثلاً يختلف عن الخوف من النتائج غير المرغوبة، وإذا ما درسنا المظاهر الخارجية فقط فإن مثل هذا الاختلاف لن يمكن اكتشافه، ومهمة على الاجتماع الظاهراتي اكتشاف الجوهر أو الخصائص المسبقة في الحياة العقلية الإنسانية المتبادلة.

ومن أمثلة التحليل الظاهراتي تحليل عاطفة احترام الذات، التي ينجم عنها إحساس داخل بالتفوق وتؤدي للاحترام، وفي بعض الأحيان يفصح هذا الاستعداد عن نفسه في شكل الرغبة في القوة من أجل تحقيق التمايز والاعتراف بالشخص على أنه أفضل من الآخرين، وحين يتم إشباع هذه الرغبة فإنها تصبح مصدراً للشعور بالكرامة وحين تحبط فإنها تصبح مصدراً للشعور بالخجل.

والدراسة الظاهراتية للخضوع تبين أنه ليس نتيجة للخوف أو غيره من الدوافع الغيرية، ولكنه قد يتضمن خضوعاً داخلياً تلقائياً، ويصاحب الخضوع حالات سيكولوجية مثل الوداعة والارتباك والشعور بالحاجة للاتصال بشخصية أقوى، كما يرتبط به اتجاهات مثل الإعجاب والتفاني والاحترام، ولكن جوهره هو المشاركة في عظمة الآخر وتلك غريزة تفصح عن نفسها في عبادة القوة والرغبة في السير وراء القائد والشعور بالواجب والخضوع الأعمى ﻷمر داخلي.

ورأى فركانت أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الأشخاص بوصفهم حملة لعلاقات متبادلة ذات أساس عقلي داخلي، والعلاقات الاجتماعية التي تكون المجتمع وتبقيه هي القوى الفعالة التي تشكل وتتحكم في التعبير عن الاستعدادات الداخلية.

ويمكن تعريف المجتمع بسهولة طالما أن الفرد ليس مغلقاً على نفسه، ولكنه يشارك في حياة غيره من الناس ويستمد وعيه بذاته ومثله وعواطفه ورغباته من الآخرين والحياة الاجتماعية تتضمن حداً أدنى من التبادل، والروابط الداخلية العقلية هي الخاصية الأساسية للمجتمع.

وبناء على هذا الإطار التصوري رأى فركانت أن التحليل الاجتماعي يجب أن يبدأ بالدراسة الفينومينولوجية للاستعدادات الداخلية للأفراد أو للغرائز، وحدد فيركانت مجموعة من الاستعدادات الأساسية أو الغرائز التي يجب دراستها وهي احترام الذات والخضوع الدافع الأبوي والميل للصراع والمحاكاة ولتعاطف والتعبير  والتواجد الاجتماعي مع الآخرين.

ويقرر مارتندال أن فيركانت قد اعتمد في ذلك على كل من ماكدوجال وويليام جيمس وبالدوين وجبريل تاردوكال جروس وزيمل، كما أنه اعتمد بعد ذلك على تقسيم تنوير للمجتمعات إلى المجتمع المحلي، والمجتمع لكي يشرح العلاقات الاجتماعية الأساسية وأشكالها، وركز فيركانت اهتمامه بعد ذلك على دراسة الظاهرات الجماعية مثل الشعور الجمعي والوعي الذاتي للمجموعة والروح المعنوية.

ورأى فيركانت أن جميع العلاقات الاجتماعية تؤثر على الحياة الداخلية للأفراد، فالعلاقات الاجتماعية لا تحقق أهدافاً خارجية فحسب، ولكنها تهدف إلى تحقيق خبرات داخلية، فالفرد قد يدخل في علاقة اجتماعية مع آخرين ﻷسباب خارجية أو ليحصل على إشباع داخلي أو لتحقيق الهدفين معاً.

فعلاقات السيطرة والصراع مثلاً تقدم إشباعاً داخلياً للفرد، فالصراع يجعل الشخص يستمتع بالتحصيل والعظمة نتيجة ممارسته لقوته، وعلم الاجتماع الظاهراتي في رأي فيركانت هو الذي يشرح شرحاً كافياً الاستعدادات الداخلية العقلية التي يتكون على أساسها المجتمع، وطبيعة العلاقات الاجتماعية كما أنه يمكننا من فهم المجموعة، فالمجموعة لها روح خاصة بها تجبر الشخص على أن يشعر ويفكر ويتصرف بأسلوب محدد والمجموعة كالفرد لديها وعي بذاتها وحافز للبقاء وتنظيم للحياة.

وعلى ذلك فإن المنهج الظاهراتي، وهو المنهج الوحيد الصالح لعلم الاجتماع في رأي فيركانت، يؤدي إلى الكشف عن جوهر المجتمع والسلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، وهذا الجوهر يتمثل في الاستعدادات الفطرية لدى الإنسان مثل الاستعداد للمساعدة، والشجار والتعاطف وللمحاكاة وللإيحاء والثقة.


شارك المقالة: