الاتجاه الظاهراتي في علم الاجتماع:
ازدهرت المدرسة الظاهراتية الأصلية في علم الاجتماع في ألمانيا والمناطق المجاورة لها والناطقة بالألمانية في أوروبا فيما بين الحربين العالميتين، وقد استمدت هذه المدرسة أفكارها من فلسلفة ادموند هوسرل، ومارتن هايدجر وشوتز ومارلوبونتي.
والمفهوم الرئيسي في الفلسفة الظاهراتية هو مقصود قصدية الوعي، أي كونه موجهاً نحو الموضوع، والتي تعني تأكيد المبدأ المثالي الذاتي ليس هناك موضوع بدون ذات، ويعتمد المنهج الظاهراتي على فكرتين مهمتين وهي:
1- الامتناع عن إصدار أية أحكام فيها يتعلق بالواقع الموضوعي، وعن تجاوز حدود التجربة الذاتية.
2- اعتبار موضوع المعرفة نفسه الوعي الخالص، وليس الوجود الحقيقي.
معنى ذلك أن أصحاب الفلسفة الظاهراتية يرون أن معرفتنا بالعالم الفيزيقي، إنما تأتي عن طريق خبرتنا الذاتية به، وهذه الخبرة هي التي تمكننا من إدراك جوهر الأشياء، والفلاسفة الظاهراتيون يبدأون بتجاهل مسألة الواقع الموضوعي، أو وضعه بين قوسين على حد تعبيرهم، حتى مكنهم توجيه اهتمامهم للواقع كما يوجد في الوعي أو الشعور.
وعلى هذا فإن الظاهرة موضوع الدراسة، تكون هي تلك التي تعبر عن ذاتها بأسلوب مباشر في الوعي أو الإحساس، ويستند الظاهراتيون على تمييز الفيلسوف كونت بين مفهومي الظاهرة والشيء في ذاته فهو الذي يوجد مستقلاً عن قدراتنا المعرفية، والشيء في ذاته ليس معروفاً لنا ولكن الظاهرة هي الشيء الذي يمكننا معرفته.
إن الوعي أو الإحساس هو هدفنا لمعرفة العالم، فأي معرفة لشيء موضوعي لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق إذا كنا بذلك الشيء، ولا وجود للواقع مستقلاً عن وعياً أو شعورناً، وجوهر الأشياء هو ما يعرفه العقل الإنساني، بوسطة الوعي من خلال خبرته بالعالم، والموضوعية تتحقق عن طريق الذاتية أي عن طريق إدراكنا.
ونلاحظ أن الفكر الظاهراتي يركز على دراسة العملية التي نفهم بها العالم، وليس على تفسير هذا العالم، فتفسير العالم بوصفه شكلاً من أشكال الفكر يصبح في حد ذاته موضوعاً للدراسة.
وهذه باختصار هي الأفكار الأساسية التي ارتكز عليها أصحاب المدرسة الظاهراتية في علم الاجتماع وحاولوا بناء نظرية اجتماعية على هديها، ومن أشهر أصحاب الاتجاه الظاهراتي في علم الاجتماع ماكس شيلر والفريد شوتز، وجوفمان وجارفنيكل، وممن تأثروا أيضاً بالاتجاه الظاهراتي في علم الاجتماع بيتربرجر وجاك دوجلاس، وآرون سيسوريل، وجورج جيرفتش.