الافتراضات الخاصة بطبيعة الإنسان وقدراته في النظرية الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


الافتراضات الخاصة بطبيعة الإنسان وقدراته في النظرية الاجتماعية:

يرتبط هذا الافتراض الأساسي ارتباطاً وثيقاً بالافتراض الخاص بطبيعة الواقع الاجتماعي، فهناك من العلماء الاجتماعيين من افترض أن الإنسان وأفعاله غير منطقية، فالذين يتبعون الفكر الفرويدي مثلاً، يعتقدون أن الإنسان قد خلق مجتمعاً يعمل دائماً على كبت حوافزه البيولوجية، فقد رأى فرويد أن الإنسان تدفعه دوافع وحوافز خفية لا يمكن فهمها إلا إذا تعمقنا في فهم لا شعوره، وعلى هذا فإن المقابلات التي كان يجريها فرويد في دراساته كانت تعتمد على افتراض أن الإنسان في جوهره غير عقلاني أو غير منطقي، ولكن فرويد من جهة أخرى قد حاول بوصفه عالماً أن يفرض طابعاً عقلانياً على أفعال الإنسان غير العقلانية أي أنه قدم تحيلاً عقلانياً لذلك.

وهناك فريق آخر من العلماء يخالف هذا الرأي ويرفض التسليم بهذه الفكرة الفرويدية ويرى أن الإنسان كائن عقلاني، وقد سلم تالكوت بارسونز بذلك في كتابه بناء الفعل الاجتماعي، ولكنه عاد فتأثر بفكر فرويد عن الطبيعة اللاعقلانية للإنسان في كتاباته اللاحقة.

كما أن هناك من بين العلماء الاجتماعيين من يسلمون بفكرة توماس هوبز الفيلسوف الإنجليزي التي مؤداها أن الإنسان شرير بطبعه، وأنه يهدف دائماً إلى تحقيق مصلحته على حساب الآخرين، بينما يسلم غيرهم بأن الإنسان يرغب دائماً في التضحية بمصالحه من أجل الصالح العام مثل سوروكين.

وأخيراً نجد من بين علماء الاجتماع أولئك المتشائمون وأولئك المتفائلون فيما يتعلق بقدرة الإنسان على تحسين وتطوير ذاته وبيئته، فالوضعيون مثلاً لا يسلمون بأن الإنسان يستطيع التحكم في بيئته، بينما يرى أصحاب نظرية التفاعل الرمزي مثل بلومروميد، أن الإنسان قادر على تحسين ذاته والماركسيون يحاولو التوفيق بين فكرة حتمية السلوك الإنساني من جهة وبين قدرة الإنسان على إعادة تشكيل بيئة من خلال الجهود الثورية من جهة أخرى.

الافتراضات الخاصة بعلاقات العالم بالظاهرات الاجتماعية التي يدرسها:

يضع كل عالم اجتماع بعض الافتراضات التي تكون عادة ضمنية فيما يتعلق بعلاقة الباحث بالواقع الاجتماعي، فهناك فريق من علماء الاجتماع يفترضون أن القائم بالملاحظة قادر على أن يعزل نفسه عما يلاحظه وأنه يستطيع أن يجري ملاحظاته مستقلاً عن الواقع الذي يدرسه، وهذا الاتجاه هو الذي يتبناه المنطقيون، لكن هناك فريقاً آخر يرى أن القائم بالملاحظة يؤثر في الواقع الاجتماعي ويتأثر به بدوره.

وهناك فريق ثالث يرى أن القائم بالملاحظة أي الباحث يؤثر ويتأثر بالنظام الاجتماعي الذي يدرسه، ولكن يستطيع عن طريق جعل هذه العلاقة المتبادلة تتخذ طابعاً موضوعياً أن يمارس درجة من السيطرة على هذه العلاقة، وبالتالي يستطيع أن يحقق درجة عالية من الموضوعية التي يسلم الأمبيريقيون بها ولكنهم لا يستطيعون تحقيقها ومن المؤكد أن هذه الافتراضات سوف تؤثر هي الأخرى على كل خطوات البحث الاجتماعي، فالباحث الذي يرى إمكانية عزل نفسه عن الظاهرة سوف يهمل دراسة نفسه كمتغير في الظاهرة التي يدرسها أما الباحث الذي يسلم يعكس ذلك فإنه سيجعل نفسه موضوعاً للدراسة أثناء دراسته ﻷي ظاهرة.

الافتراضات المتعلقة بمستوى النظرية:

ما زلنا نجد في ميادين علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الإنسان جدلاً واسعاً حول ما إذا كان يجب على العالم أن يستخدم في بحثه فروضاً بسيطة أو يستخدم انساقاً نظرية مجردة أو كبيرة أو يلجأ إلى النظريات متوسطة المدى.

ويرتبط مستوى النظرية الذي يستخدمه العالم بتصوره لنمو المعرفة الإنسانية فالباحثون الذي يتبعون الاتجاه الأمبيريقي المحدود يعتبرون المعرفة شيئاً يتراكم جزءاً فوق جزء، وأن عناصر هذه المعرفة سوف تتجمع على المدى البعيد فوق بعضها البعض لكي تكون النظرية، وفي مقابل ذلك الاتجاه نرى علماء آخرين مثل سوروكن الذي يقرر في كتابه الديناميات الاجتماعية والثقافية، أن المعرفة لا يمكن أن تتجمع إلا عن طريق إطار نظري كبير ومن خلال هذا الإطار تمزج عناصر المعرفة مع بعضها البعض في كل متكامل له معنى.

وهناك فريق ثالث يمثله روبرت مرتون يتخذ موقفاً وسطاً بين الاتجاهين يرى أن على الباحث أن يسترشد بنظرية متوسطة المدى أي بنظرية عن كل نوع من الظاهرات على حدة وليس مجرد فروض متفرقة، كما يرى الامبيريقيون ولا نظرية ضخمة كما يرى سوروكن وبارسونز.

ويختلف الماركسيون عن هؤلاء جميعاً في وجهة نظرهم عن طبيعة المعرفة فهم يرون أن الخبرة الحسية هي أساس كل المعرفة الإنسانية، بالواقع وأن الإنسان من تحليله لخبرته هذه تحليلاً عقلياً يستطيع أن يصل إلى جوهر وحقيقة الأشياء التي يلاحظها، ويصوغ معرفته هذه على شكل قوانين ونظريات عامة توجهه وترشده لجمع مزيد من الوقائع عن العالم المحيط به، وكلما توفرت له وقائع جديدة استطاع أن يعدل من هذه النظرية ويطور فيها، ويرى الماركسيون أن النظرية العلمية عن المجتمع لا يجب أن تكون مادية فحسب ولكن لا بدّ أن تكون تاريخية أيضاً.


شارك المقالة: