المهن التي ساعدت في تطور الدولة السعودية في عهد الملك سعود:
لقد تغيرت الأوضاع الاقتصادية تماماً بعد اكتشاف البترول كما ذكر سابقاً، وبالتالي نتج عنه انتشار مهن وتطور مهن أخرى في المجتمع مثل النجارة والحدادة والصياغة والحياكة، حيث تعد من المهن التي كانت لها مكانتها في المجتمع وكان المجتمع بجميع فئاته بحاجة إليها، ومع التقدم استبدلت أدواتهم القديمة بأدوات كهربائية حديثة ومتقدمة، جعلت تجارتهم ترتقي وتنتعش فأصبحت الكهرباء والزيت والبنزين هي المحرك الأساسي لهذه المهن وغيرها.
أمّا المهن التي اندثرت كالجمالة وهي المختصة بنقل البضائع على الجمال، والخراز الإسكافي وبعض المهن التي تقوم على الزراعة مثل الحشاش الذي يجز الحشائش بأجر، والمسجن وهو الذي يقوم بتقطيع جذوع النخيل ومهن ملاحية مثل الطواش وهو تاجر اللؤلؤ، والنوخذة ربان السفينة، والتاك وهو من يصنع صناديق الصفيح لاستخدامها في خزن التمور، النداف بائع القطن، والدواس وهو قصاص الأثر.
وغيرها الكثير من المهن والحرف التي اندثرت بسبب زوال الحاجة إليها، فحلت محلها المهن الصناعية والفنية التي تعتمد على الخبرات المتخصصة والمهارات والأدوات التقنية فاستقدم أفراد المجتمع عمالة أجنبية متخصصة من خارج الوطن لتشغيل المؤسسات والمحلات الصناعية والفنية مثل البناء، الخياطة، النجارة، الحلاقة، والحدادة فترتب على ذلك أن الأفراد أصحاب تلك المهن انصرفوا عنها إلى أعمال أخرى.
وأخيراً فإن هذا التطور الاقتصادي الذي شهدته المملكة العربية السعودية سواء كان تجاري أو زراعي، أو صناعي، أسهم وبشكل فاعل وواضح في تطوير التعليم والثقافة في البلاد السعودية، بعد أن وضعت الحكومة السعودية برنامجاً موسعاً في هذا المجال، حيث فتحت المدارس وبشكل موسع، فأصبح هناك مدارس للتعليم المهني والتدريب الفني والدورات التدريبية مع التركيز على التقنية الحديثة في جميع المستويات للوفاء باحتياجات البلاد من الأيدي العاملة السعودية المدربة، والعمل على توفير الكفاءات التسويقية لمواجهة السوق المحلي وإدارة التسويق الخارجي الإقليمي والعالمي وذلك لمجاراة التطور الاقتصادي.
وللحصول على طاقة بشرية مدربة فنية يمكن بواسطتها أن تتولى أمور العمل والإشراف داخل الدولة، ويستغنى عن الأجنبي وكان من أثر ذلك ابتعاث الكثير من الطلبة للدراسة في الخارج واستكمال دراساتهم في مختلف الدول سواء أمريكا أو أوروبا، فكان لهذا دور في احتكاك الدولة بغيرها من الدول حضارية، إلى جانب اكتساب الخبرات والمعارف، واستقدام الخبراء المختصين لتدريب وتعليم الفرد السعودي في المعاهد والكليات المنتشرة في المملكة والتي تحتوي على أفضل وسائل التدريب والتعلم.
كذلك جلب التقنيات الحديثة للبلاد وتدريب الأفراد السعوديين عليها. ونتيجة لهذه النهضة الصناعية استلزم ذلك تدريب أعداد من الشباب السعودي من أجل العمل في تلك المصانع والشركات، إعداد مراکز للتدريب ومعاهد وتفنيات تحتوي على الكثير من الممرات ووسائل التدريب النظرية والعملية.
ابتعاث العمال خارج المملكة لتلقي التدريب العلمي والنظري لدى جهات علمية، كذلك استقدام الخبراء والمختصين من الخارج لتدريب الأيدي العاملة السعودية والاستفادة من خبراتهم ومهارتهم في أثناء التدريب، فتولوا بعد ذلك إدارة المشروعات الصناعية والتجارية وتشغيلها.
الاهتمام بنوعية مختلف برامج التعليم الفني والتدريب المهني مع التركيز على التقنية الحديثة في جميع المستويات للوفاء باحتياجات شتى الصناعات. كذلك تزويد المدن والمناطق والأرياف بالكهرباء فأسهم ذلك في العملية التعليمية. قامت الدولة في العمل على المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل وقد زاد عدد الطلبة بعد أن توجهوا جميعاً إلى المدارس.
وكان بسبب توافر المدارس قد زاد عددها في كل قرية وهجرة ومدينة وأصبح السكان أكثر وعياً من حيث تعليم أبنائهم، بعد أن أصبحوا في غير حاجة إليهم في حرفهم ومهنهم القديمة، لأن معظم أصحاب هذه الحرف قد اتجهوا للصناعة، فترتب على ذلك إن دخل الأسرة أصبح أفضل من ذي قبل وأصبحت الأسرة أكثر استقراراً وفي الوقت نفسه أصبح الأبناء لا عمل لهم سوى التعليم. وزاد التطور العلمي في البلاد السعودية بعد اكتشاف البترول، وزادت أموال الدولة وتحسنت ميزانيتها، وبالتالي زادت معها ميزانية التعليم.
وبهذا أخذ التعليم يتطور ويتجه في أسلوبه ومادته إلى أسلوب التعليم الحديث ومادته مبتعداً رويداً رويداً عن أساليب التعليم القديم، وظل هذا في تطور مستمر بفضل تطور الحالة الاقتصادية للبلاد، وأصبحت جميع مصروفات التعليم للطالب مجانية تدفعها الدولة، وقد كانت في السابق تصرف من رصيد تبرعات السكان من الأغنياء أو من رصيد الأوقاف.
كذلك أخذت الدولة تعمل على نشر التعليم في المناطق النائية وبين بدو الصحراء، وبين سكان المناطق الجبلية، حيث انتشرت مدارس القرى والبادية وأغرت الأهالي بقبول التعليم في هذه المدارس عندما منحت الطلاب معونات مالية أدت إلى إقبالهم عليها. وبدأ التعليم بعد هذا التطور الاقتصادي يأخذ طابعاً علمياً بعد أن دخل مرحلة التنظيم والتعليم الحديث، وانتقل التعليم من مرحلة إعداد جماعة للعمل في الوظائف الكتابية الإدارية في أجهزة الدولة، إلى مرحلة إعداد جيل يقوم بسد حاجيات البلاد من الوظائف الفنية.
ساعد هذا التطور الاقتصادي على اتساع ميزانية المعارف والرئاسة العامة بعد ازدياد الإنتاج البترولي فارتفعت نسبة عدد الطلاب ونسبة عدد المدرسين وانخفضت نسبة الجهل نتيجة حتمياً للتطور الاقتصادي للدولة.
ولقد ذكر فيلبي الذي كان شاهد عيان على التطور الاقتصادي الذي طرأ على البلاد: ( لقد تغيرت الأوضاع في شبه الجزيرة بالكلي، نتيجة للتقدم التقني الذي طرأ على العالم مثل التلفاز والخط الجوي والنمو السريع للاقتصاد العالمي واخيراً فإن عملية التنمية هي في واقع الأمر عملية تغيير شامل تؤدي إلى انتقال المجتمع من حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي إلى حالة التقدم الاقتصادي والاجتماعي، وتقتضي عملية الانتقال هذه إجراء تغيرات جذرية في أساليب الإنتاج المستخدمة، وتغيير البناء الثقافي والفكري تغيراً يتناسب مع أساليب الإنتاج الحديثة، ويؤدي إلى تطوير مختلف مناحي الحياة، والتنمية عملية اجتماعية واقتصادية شاملة تحدث تغييراً في البناء الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، فتدفع المجتمع إلى اجتياز جميع العراقيل).
التنمية الاجتماعية:
إنّ التنمية الاجتماعية كان الهدف منها هو تحقيق تحسن كبير في رفاهية الأفراد، وتوزيع ثمار النمو الاقتصادي على الجميع وتشجيع المواطنين على الإسهام في عملية التنمية، في إطار من الحفاظ على القيم الدينية الإسلامية وتعمل السياسة الاجتماعية على تلبية الاحتياجات الإنسانية سواء كانت مادية أو ثقافية أو فكرية أو اجتماعية، ولا تقتصر التنمية الاجتماعية على خدمات المساعدات الاجتماعية، ولكنها تهدف إلى التغلب على المعوقات التي تحد من قدرات الأفراد على المساهمة في خدمة المجتمع، فهناك خدمات صحية ورعاية اجتماعية وتأهيل معوقين وضمان اجتماعي ورعاية شباب وغيرها والهدف من ذلك كله هو تحسين ظروف المعيشة للمواطنين ومساعدتهم على أن يساعدوا أنفسهم بتوجيههم لاستغلال مواهبهم الخاصة.