اهتمام الملك عبد العزيز آل سعود بصغار السن في الأسرة الحاكمة

اقرأ في هذا المقال


اهتم الملك عبد العزيز رحمه الله في الصغار من أفراد الأسرة الحاكمة، فكان لهذا الاهتمام مكان آخر لديه لا يتعارض مع مكانة الغير من العامة  ومن الخاصة، ولعل ما رواه صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل بن عبد العزيز من قصة طلب الملك عبد العزيز إحضار أحفاده من الطائف إلى الرياض لرؤيتهم والاستئناس بهم من النماذج التاريخية التي يحسن الوقوف أمامها للإشارة على محبته للصغار ومكانهم في قلبه.

فيقول الأمير عبدالله الفيصل عن ذلك: أذكر أنّه في أحد الأعوام تأخر جلالته عن الحج، وبعد الحج طلعنا الطائف ووصلتني منه برقية، وكان مولاي جلالة الملك فيصل مسافراً، فكانت تحتوي على مدى شوق الملك عبد العزيز إلى اخوانك وأطفالهم، فبذلك أمرنا منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع في ذلك الوقت أن يحضر لهم طائرة ليبعثوهم لنا في الرياض، وكان يبلغ أكبرهم في سن العاشرة.

ويقول الزركلي في شبه الجزيرة العربية، عن مكانة الأطفال عند الملك عبد العزيز من خلال حديثه عن علاقاته بعائلته: کانت دار انفراده بأهله وأطفاله دار بهجة ومرح واستمتاع، لا غضب فيها ولا تجهم بسبب الصغار، فقد كانوا يقومون في الركب على ظهره ويحبو بهم ويضحكون وتضحك أمهم ويضحك هو معهم.

من الملفت في هذا الشأن قيام الملك عبد العزيز بالدمج بين تلك الرعاية وذلك الدلال بالحرص الشديد على التربية والتعليم والتأديب لأبنائه وإقامة العدل والمساواة في ذلك فيما بينهم وبين أنفسهم من جهة، ومن جهة أخرى عرف عنه حرصه على التساوي وإقامة العدل والمساواة بين أبناء الأسرة من آل سعود وغيرهم من الرعية، وكذلك قيامه بمعاقبة من يستدعي الأمر عقابه من أفراد أسرته في هدف تحقيق العدل ونصرة الضعيف.

وتشير الدلائل على هذه السمة من سمات الخير عند الملك عبد العزيز فمن نماذج التربية الحسنة ما قام الزركلي بالتحدث عنه من قصة الملك عبد العزيز مع أبنه صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز وهو في سن الخامسة، فقد كان بصحبة والده في المقعد الخلفي في سيارته بإحدى رحلات النزهات البرية، فأعطاه الملك قبضة من الريالات، وانتظر ماذا سيفعل بها، وبذلك بدأ الأمير يلعب بتلك الريالات، فقال له الملك: أعطِ إخوانك، وكان يقصد بهم هنا الجالسين معه، وهم حمزة غوث وصاحب الرواية، فقام الأمير بتوزيع المبلغ عليهم، حيث قاموا بإيصاله إلى الخادمين الواقفين على رفارف السيارة، ليقوموا بإعطائه للناس الذين تمر بهم السيارة.

وفي ذلك إشارة إلى عادات الملك عبد العزيز الخيرية، وكان الملك عبد العزيز يريد بذلك تعليم الابن درساً عملية في الكرم، ويشعره بأنّ الجود لا يفقر.

حرص الملك عبد العزيز على تطبيق العدل على الجميع:

ونذكر أيضاً ما روي من عقاب الملك عبد العزيز لأحد أبنائه بسبب قيام بدوي بالشكوى إلى الملك بقيام أحد أبنائه في ضربه وهو لا يعرفه، فقام الملك عبد العزيز في وقتها بإحضار أبنائه أمام البدوي ليقوم بالتعرف على ضاربه وعندما تعرف البدوي على الابن سأل الملك الابن، وقال له: أضربته ؟ فصمت الابن ولم يرد، وعرف إنّ إنكاره واعترافه لم ينجه من العقاب، ثم نظر ابن سعود إلى المعتدى عليه وسأله: بمَ ضربك ؟ فأجاب البدوي قائلاً: بالعصا يا صاحب الجلالة فقال: قم فاضربه واقتصّ منه فاستجمع هذا الأعرابي باكياً لعدل هذا الإمام وقال: لا أستطيع قال: قم هداك الله قم يا رجل، لا تخاف؛ إنّ العدل ميزان بينك وبينه، بل أنت أعظم منه لأنّ الحقّ لك، وهو أصغر منك لأنّ الحق عليه.

ورغم إصرار الملك على الأعرابي أن يأخذ حقه بيده إلّا أنّه قد تنازل؛ بسبب ما رأى من العدل والمساواة من الملك، ومع ذلك فإنّ عبد العزيز أراد أن ينال الابن عقابه؛ ليكون درساً له وعبرة لغيره من أمثاله، وبذلك دليل على حرص من الملك على تربيتهم وتعويدهم على الاحترام المتبادل بينهم وبين الناس، وإلّا يغريهم قربهم من الملك في التعدي على الشعب، وبذلك نظر الملك عبد العزيز على جميع المجالسين نظرة غضب وصاح بابنه: أتظنّ أنّ انضمامك إلي يمحو عنك العقاب أو يخولك الاعتداء ؟!.

وكما تم ذكره في ذلك الشأن إنّ الملك ضربه ضرباً شديداً وقام بالأمر بسجنه في القلعة على انفراد، فتم سجنه ومكث في السجن فترة من الزمن حتى أطلق سراحه برجاء من ولي العهد، وبذلك دليل على اهتمام الملك عبد العزیز بتربية أولاده على التربية الدينية التي كان من أهم قواعدها الالتزام بأركان الدين.

حرص الملك على حث أبنائه على أداء الصلوات:

وكذلك فقد اهتم الملك عبد العزيز بالحرص الكامل على تفقد أبنائه عند صلوات الجمعة والجماعة والتأكد من أدائهم لها جماعة مع المصلين في المساجد، وكان لا يتردد عن معاقبة من يتخلف منهم عن ذلك، فقد روي أنّه وهو يتفقد أحد أبنائه بعد صلاة الجمعة فلم يجده في المسجد ووجده في البيت فسأله عن سبب تأخره عن الصلاة أجاب بأنّه تأخر عن غير قصد فجاء ولم يدركها ورجع، فأمر الملك في ذلك الوقت بسجنه، وسجن خدمه جزاءً لهم على هذا التأخر وليأتوا مبادرين إلى الجمعة.

وبخصوص ذلك الجانب فقد اهتمام الملك عبد العزيز بتربية أبنائه بالإشارة إلى أنّ ذلك الاهتمام لم يكن يتوقف عند مرحلة معينة من العمر، بل إنّ المصادر التاريخية تشير إلى أنّ رعاية الملك عبد العزيز لأبنائه كانت ملازمة لهم طوال مراحل حياته.

أحداث تاريخية تشير إلى اهتمام الملك عبد العزيز بصغار السن في الأسرة الحاكمة:

وكذلك نشير إلى اهتمام الملك في هذا الجانب بناء على قيام الملك عبد العزيز في شهر ربيع الآخر من عام 1349 هجري، بإرسال رسالة إلى كبار أبنائه في ذلك الوقت، وهم الأمراء: سعود وفيصل ومحمد وخالد يوصيهم فيها بالعديد من الأمور التربوية الهامة، ذکرها بقوله: من طرف أربعة الأمور التي سأذكرها لكم أدناه وهي: أولا: أن تكونوا يداً واحدة فيما بينكم صغيركم يوقر ويمتثل أمر کبيرکم، وكبيركم يعطف على صغيركم، كما أنّ الصغير إذا رأی أمراً ما يجوز من الكبير أن يبين له ذلك ويقول هذا الأمر لا يجوز منك، وعلى الكبير الإصغاء لأخيه الصغير كما هو لازم عليه مناصحة الصغير.

والحقيقة أنّ هذه الرسالة التربوية بما تحمله من معانِ هادفة تصلح أن تكون نموذج تربوي تقتدي منه الأجيال العمرية بالأمور التربوية والتاريخية، ولتعرف ما حققه الملك عبد العزيز من تاريخ هام بالبلاد لم يأت من فراغ، بل جاء من خلال ما تميز به من حسن خلق ورعاية كريمة لرعيته ولأسرته على حد سواء، تلك الرعاية الكريمة والتربية الحسنة التي أثمرت عن أساس صالح من الأبناء بالدولة، بحيث استطاعوا أن يكونوا عند حسن الظن بهم من والدهم فتحملوا الأمانة واحدة بعد الآخر.


شارك المقالة: