حركة التنور العربي في دولة الكويت

اقرأ في هذا المقال


 حركة التنور العربي في الكويت:

في عام 1946 ميلاي أسّس عبد العزيز حسين في القاهرة مجلة البعثة، حيث آمن برسالة التربية والثقافة في إرساء قواعد ومبادئ حركة التنوير العربية، واستمر ذلك الإيمان العميق منه بدور التنويريين العرب إلى آخر لحظة في حياته، على الرغم من المشاكل والعقبات الكبيرة التي عرفتها الأمّة العربية في تاريخها المعاصر، فقد كان لعبد العزيز حسين ديوانية أطلقها قبل وفاته بفترة من الزمن، ومن خلالها يتضح بمدى تفاؤله في رواد حركات التنوير العربي، فهم من يستطيعون وحدهم على البناء وتحقيق التقدم في البلاد.

حيث قام المفكر الكويتي المشهور سليمان إبراهيم العسكري بتفسير رؤية عبد العزيز حسين فقال: ولم يقيد عبد العزيز حسين نفسه أثناء هذه الفترة، وربما طوال حياته ‏أيضاً بالانتماء إلى رؤية حزبية أو إيديولوجية، لكنّه انتمی بكل وجدانه مثله في ذلك مثل كبار المنورين العرب، إلى تیار عریض وقف مع النضال الوطني في مواجهة الاحتلال، ومع النهضة في مواجهة التخلف، ومع الحرية في مواجهة الاستبداد ومع التنوير في مواجهة الظلام.

وقد قام سليمان إبراهيم أيضاً بالإشراف على إصدار مجلد ضخم قامت بنشره دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع، إيماناً بأنّ أحلام التنويريين العرب، وفي مقدمتهم عبد العزيز حسين وحلم التنوير العربي، حيث قدمته له صاحبة الدار الأديبة الكويتية المعروفة الدكتورة سعاد الصباح؛ وفاء لأستاذ الأجيال في الكويت، وتقديراً لجهوده في خدمة الثقافة العربية الإسلامية، حيث أكّد عبد العزيز حسين لها وقبل وفاته بإنّ أحلام عبد العزيز حسين سترى النور يوماً ما.

جامعة الكويت ودورها في حركة التنور العربي:

وفي أثناء قيام جامعة الكويت بدعوة مجموعة من الأشخاص، ليقوموا في عملية تقييم الدراسات التاريخية من حيث المحتوى والمنهج، وبعد قيام أحدهم في دراسة وثائق كلية الآداب ومقررات قسم التاريخ بها، أقام أسبوع كامل فيها، حيث قام بحوار عميق وهادف مع أساتذة القسم وطلبته، ووفرت له الجامعة حرية الاتصال بمن يشاء وفي أي وقت يريد، وقام ذلك الشخص بحضور الدروس، فقد تمكن من خلال ذلك الاستفادة ليستطيع جمع المعلومات ليتكمن من التقييم بين دراسة النصوص والمعايشة الشخصية.

وفي تلك الفترة كانت جامعة الكويت تعمل على تحقيق غاية محددة، وهي قيامها بتقييم الكليات والشعب التابعة لها كل خمس سنوات، بحيث تكلف لذلك المهمة مجموعة من الجامعيين وباحثين يدعون من خارج الكويت؛ للإفادة منهم بقدر كبير  من خلال تجاربهم ومناهجهم.

وكان من أبرز الجامعيين الكويتيين أساتذة قسم التاريخ، حيث درس به في مرحلة التأسيس بعض من الأصدقاء من كبار المؤرخين العرب المعاصرين وكان منهم: الدكتور حسين مؤنس والدكتور شاکر مصطفی والدكتور أحمد مختار العبادي والدكتور سعد زغلول عبدالحمید والدكتور نور الدين حاطوم وغيرهم، بحيث أستفاد منهم جيل رائد من المؤرخين الكويتيين، وأول رواية تدل على ذلك هي القيام بترميم وتجهيز القسم من جديد؛ لأنّه قد دُمر وسُرقت مكتبته أيام الغزو العراقي، فالنظم الاستبدادية لا تزيف التاريخ فقط، بل تسعى جاهدة لإخفاء مصادره.

والشخص الذي يريد التعرف على ماضِ الدراسات التاريخية في دولة الكويت، لا بد له من الوقوف عند المؤرخ الظاهر من مؤرخي الكويت في النصف الأول من القرن العشرين، وهو الشيخ عبد العزيز الرشید، فهو يعد من أبرز دعاة الإصلاح والتجديد، ورغم تواضعه وتمسكه المبادئ الإسلامية فقد تم إنكار جهوده؛ وذلك في سبيل الدعوة الإصلاحية في الكويت، فهاجر إلى أندونيسيا وسنغافورة وأنشأ مجلات هناك، وأصدر مجلة الكويت في عام 1928 ميلادي، ونشر كتابه الشهير تاریخ الكويت في بغداد، وقام في أثناء تواجده في بلده استقبل عدداً ضخماً من المثقفين العرب، وكان في مقدمتهم الزعيم التونسي عبد العزيز الثعالبي في رحلته المعروفة إلى الجزيرة العربية في أثناء طريق عودته من الهند.

زيارة الزعيم التونسي إلى دولة الكويت وعلاقتها بحركة التنور العربي:

لقد أثّرت بشكل كبير زيارة الثعالبي أحد زعماء الإصلاح في نفوس أهل الكويت، فاستقبله في الميناء وجهاء الكويت وكبار رجالها، وكان في مقدمتهم صديقه الوفي عبد العزيز الرشيد، وقد تحدث بشكل مفصل في كتابه تاريخ الكويت عن هذه الزيارة العظيمة.

فقال عن الثعالبي: آخر أولئك المصلحين العظماء زعيم كبير وأستاذ محقق وبطل مقدام وعالم من العلماء المحققين، وسياسي من أبرز السياسيين المحنكين، ومخلص له في كل حركة أثر محمود، وخطيب يحق للشرق أن يفاخر به الغرب وأبناءه، فالزعيم التونسي الشيخ عبد العزيز الثعالبي من رجال الشرق المعدودين، ومن زعمائه الكبار الذين تنجاب الغياب لبوادر هداهم ومعرفتهم، زعيم لا يسمح الوقت بكثير من أمثاله.

وقال عنه أيضاً: بأنّه زار هذا الأستاذ الكويت في عام 1343 ميلادي، ونزل ضيفاً کريماً على آل خالد الكرام، وهناك زودها بسلك كهرباء الحياة، وأجرى فيها روح الحركة والنشاط وتركها متحفزة لنهوض مدهش وتقدم غريب، بما كان يجود به على المحتاجين لفضله، إنّ في مجالسه العامة أو في خطبه البليغة التي تفضل بها في احتفالات الكويتيين به، نعم فالأستاذ الثعالبي له من قوة الحجة والعارضة ما ليس لأحد من أقرانه، وله من التأثير ما يندر أن يفوز به أحد سواه، له تأثير في كلامه ومنطقه، وتأثير في سکوته وحركته، وله فوق ذلك ما يبهر العقول ويحسر الألباب ويضطر الخصم العنيد أن يتبع نفوذه.

وكان من المشهور في التاريخ المشير إلى الحركة الإصلاحية في دولة الكويت، في الفترة المتمثلة بين الحربين العالميتين، أنّ المواجهة كانت قوية بين دعاة الإصلاح من طرف، وبين رموز الغلو والتطرف من طرف آخر، وفي عام 1924 ميلادي تم افتتاح  النادي الأدبي، حيث ساعد دعاة الإصلاح على نشر أفكارهم المتطورة، والدعوة إلى الاهتمام بالعلم ومحاربة التخلف، فقد اكتسب النادي سمعة طيبة من خلال زيارة رواد الإصلاح له من الأقطار العربية.

إنّ تلك الزيارة التي قام بها الثعالبي إلى دولة الكويت لم تأتي بشكل مفاجئ، بل كانت زيارة مخطط لها، ومن الواضح أنّ الثعالبي كان على علاقة وثيقة تربطه برواد الحركة الإصلاحية في الكويت قبل زيارته لها في عام 1925 ميلادي، حيث قام الزعيم التونسي في الوقوف بجانب التيار الإصلاحي في الكويت ضد تيار الجمود، لذا نلاحظ إنّ الشاعر الكويتي صقر الشبيب، كان قد طلب العون والمساعدة منه؛ لإسكات أصوات المتزمتين الذين تمسكوا بالقشور، وتنكروا لروح الاجتهاد.

وفي أثناء تواجد الزعيم التونسي الثعالبي في الكويت، نجده قد ساند كلا التيارين: التيار الإسلامي التجديدي والتيار القومي العروبي، وفي ذلك دليل على حسن العلاقات الرابطة بين الشعبيين التونسي والكويتي.


شارك المقالة: