إنّ من أهم أسرار عظمة الملك عبد العزيز وتوفيقه هو الخضوع لله والاعتماد عليه، فمن كان مع الله كان الله معه، ومن وجد الله فما فقد شيئاً، وكان لتمسك الملك عبد العزيز بالطاعات في أوقاتها أثر في مسار حياته اليومية في أثناء تواجده وفي أثناء سفره، حيث كان كثيراً ما ينظم برنامجه اليومي ومواعيده الشخصية والرسمية بناءً على تلك الأوقات، وبالذات أوقات الصلاة.
إرسال المرشدين والدعاة إلى مختلف البلدان:
إنّ الملك عبد العزيز كان حريصاً على نشر الخير وتوجيه الناس للالتزام بمبادئ الدين الإسلامي العظيم، ولم يكن يكتفي بعمل الهيئات المركزية الرسمية في المدن والقرى الكبرى رغم نشاطها، بل كان يبعث بالمحتسبين والدعاة والمرشدين إلى المناطق الأخرى من القرى والبلدان الصغيرة، ويحرص في الوقت نفسه على أن يدعمهم بالدعم المادي اللازم، ويؤيدهم بالتأييد المعنوي، وكان ذلك الدعم والتأييد الذي يعزز من مواقفهم ويعظم من مهماتهم ويتضح ذلك الاهتمام من خلال الكثير من الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز وعدد من الدعاة وطلبة العلم، الذين ولاهم الملك عبد العزیز بشؤون الحسبة في بعض المهمات الخاصة أو العامة في الدول والنواحي المختلفة.
فقد اهتم الملك عبد العزيز بالشكل الكبير على إرسال الدعاة والمرشدين والذين يقومون بالوعظ والائمة لتغطية مختلف مناطق الدولة السعودية، ويكون ذلك بناء على قدر حاجة تلك المنطقة، وبقدر الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، وتحتفظ المصادر التاريخية بمختلقها بالعديد من الأمثلة التي تدل على هذه السمة عند الملك عبد العزيز.
ونشير إلى اهتمام الملك بذلك من خلال حرصه وعنايته بإرسال الدعاة، لتغطي أوسع قدر من أنحاء المملكة على جميع الأطراف، ولعله من المناسب أن نبدأ الحديث عن هذا الجانب بنموذج مهم من نماذج بعث الدعاة والعلماء، يدلنا في الوقت نفسه على مدى عناية الملك عبد العزيز بهذا الشأن من جانب الخير عنده، وهذا النموذج هو حرص الملك عبد العزيز على السير في التقدم في تنفيذ مشاريع توطين البدو أو تم معرفته في ذلك الوقت بمشروع الهجر الذي كان يهدف إلى عدة أهداف دينية واجتماعية واقتصادية وغيرها، ففي المجال الديني والاجتماعي لتلك المشروعات اهتم الملك عبد العزيز في إرسال الدعاة والمعلمين لتعليم البادية في تلك الهجر أمور دينهم.
وكان في الوقت نفسه يحرص الملك عبد العزيز على اختيار الدعاة والعلماء، فقد كان يختار المهرة منهم ومن يتمتع بكفاءة عالية؛ لأنه كان بحاجة إلى أولئك الدعاة والعلماء ليقوموا في العلم من ناحية ولصعوبة المهمة من ناحية أخرى.
دلائل تاريخية في إرسال الدعاة والمرشدين إلى مختلف البلدان:
ومن النماذج الوثائقية في إرسال الدعاة والمرشدين إلى مختلف البلدان ما قام به الملك عبد العزيز في عام 1337 هجري من إرسال هيئة مكونة من العديد من الشيوخ المتعارف عليهم في ذلك الوقت إلى جلاجل ليقوموا في النظر والتباحث في أوضاع الناس الدينية.
ويوضح الملك عبد العزيز في رسالة إلى من يراه من أهل تلك النواحي الهدف من بعث أهم الدعاة والمرشدين بقوله: تعلمون أن الله منّ علينا بنعمة الإسلام وأمرنا بالتواصي عليها، والدعوة إليها والنصح لجميع بني آدم، المسلم العارف منهم دين الله نعينه وندعو له بالثبات، والجاهل ندعوه ونوضح له الأمر، فإن اهتدى فلنفسه وإن ضل فعليها، فمن أجابنا عن ذلك فهو منا ونحن منه وله مالنا وعليه ما علينا، ومن أنكر ذلك فالذنب قائم عليه وظهرنا من الله ثم منه بعذر، ونحن بما نقدر.
أهم خصال الملك عبد العزيز:
العفو عند المقدرة:
تميز الملك عبد العزیز بسمة عظيمة من سمات الحكام المسلمين وهي سمة العفو عند المقدرة، وكان قدوته في ذلك رسول الله صلّ الله عليه وسلم، التي تشير سيرته العطرة إلى العديد من نماذج العفو عن الأعداء، مثل عفوه صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة المكرمة بعد الفتح حين قال صلى الله عليه وسلم لأهلها: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وعلى ذلك النهج النبوي سار الملك عبد العزيز في معاملة أهم خصومه بالعفو والسماح عند المقدرة.
ويحتفظ تاريخ الملك عبد العزيز بالكثير من النماذج التي تشير على التزامه بهذه السمة من سمات الخير في شخصيته، والتي ظهرت في مختلف مراحل طريقه في الوحدة السعودية التي تحققت على يديه، ومن النماذج المشيرة لذلك ما قام به الملك عبد العزيز عند استرداد الرياض في عام 1319 هجري، حيث أعطى من بقي من رجال عدوه ابن رشيد في الرياض بعد معركة الاسترداد الأمان على دمائهم والعفو، فخرجوا وتوجهوا إلى حائل.
الطاعة والعبادة:
وكان أبرز ما تميز به الملك عبد العزيز في جانب الطاعة والعبادة حرصه على تلاوة القرآن الكريم، حتی تكاثرت وعظمت به هذه الخصال في أیام ملکه حتی جعل نفسه تحب القرآن وتلاوته، واعتاد أن يتلو القرآن في الصباح والمساء مما يشعره بالراحة، ولم يكتفي الملك عبد العزیز بتلاوة القرآن فقط، بل قام على جمع الكتب التي تتحدث عن القرآن الكريم والتي تختص بتفسيره وبآدآبه وعمل على قرأتها، حتى غدت تلك المجالس سمة من سماته وجزءًا مهماً من حياته اليومية، التي الزم بها نفسه في أثناء وجوده بالمملكة أو في أثناء سفره.
وكان لهذه المجالس أثر كبير في تكوين شخصية الملك عبد العزيز ومسيرته في الحياة، وكذلك كان لها أثر في تبادل الأفكار والرأي مع العلماء والتشاور مع أهل الرأي والخبرة، وعن ذلك يقول الدكتور إبراهيم عبدة: (ما كان يمكن لعبد العزيز أن يزل له لسان في عرض إنسان أو كرامة أحد وهو المنادب بآداب القرآن).
وكان الملك عبد العزيز ملتزماً منذ صغره في طاعة وعبادة الله على الوجه الشرعي الصحيح، واستمر على ذلك حتى وفاته، وفي ذلك السياق نشير بأنّ الملك عبد العزيز كان ملازماً طاعة الله في كل ما أمر، فهو كما تم ذكره بأنه أقام الصلوات الخمس في جماعة، ولم يذكر عنه بأنه قد تخلف عن الصلاة الجماعة في وقت من الأوقات، وكذلك طبق أركان الإسلام كما أمر الله، وكان له مع ذلك خلوات مع ربه في الليل ووقت الفجر في أثناء نوم الناس، حيث كان يقف وقت طويل بين يدي ربه يطلب هدايته وبقوم يتعظم ربه وتقديسه، ويسجد لله خاضعاً متذللاً بين يدي ربه يستغفره.