التحليل البنائي في علم الاجتماع عند روبرت ردفيلد:
يعتبر تحليل ردفيلد لمفهوم البناء الاجتماعي رد فعل على نظريات كل من براون وبريتشارد، وبخاصة فيما يتعلق بالخلاف الناشئ بينهما حول العلاقات الثنائية، والجماعات الصغيرة، وما يتعلق بالتفرقة التي أقامها براون بين البناء الواقعي والصورة البنائية.
بالرغم من أنه يميل للاتفاق مع بريتشارد في عدم الاهتمام بالعلاقات الثنائية، أو الجماعات الصغيرة عند تحليل البناء الاجتماعي، إلا أنه اقترح تطبيق مبدأ الأهمية، على مثل هذه العلاقات والجماعات، وانتهى بالتالي إلى الاتفاق مع بريتشارد في أن الأسرة جماعة بنائية، إذا أنها مهمة للبناء الاجتماعي، فضعفها أو اختفاؤها يؤثران على صورة البناء وطبيعته، وبالتالي يجب الاهتمام بدراسة الأسرة عند تحليل البناء الاجتماعي لمجتمع من المجتمعات، وبخاصة المجتمعات التقليدية أو البسيطة.
وبتطبيق مبدأ الأهمية يكون ردفيلد قد تجاوز الخلاف الأكاديمي الحاصل بين براون وبريتشارد حول مكونات البناء الاجتماعي، وحول موضع الجماعات الصغيرة في هذا البناء، ومثل هذا المبدأ لم يقلل من شأن الجماعات الكبيرة كالقبائل والعشائر، والنظم الاجتماعية المختلفة، التي هي جزء مكون في أي بناء اجتماعي، دونما حاجة لتطبيق مبدأ الأهمية عليها.
ومن جهة ثانية، اقترح ردفيلد إضافة جديدة لنظريات البناء الاجتماعي، حين أشار إلى أن البناء الاجتماعي يحتوي على ما يسمى بالجماعات الكامنة، وهي جماعات لا تتصف بالاستمرار في الزمن، وإنما تظهر نتيجة لظروف معينة، ولتلبية وظيفة معينة، وتختفي كجماعة متميزة بعد انتهاء هذا الظرف، وبعد تلبية هذه الوظيفة.
ويأتي ذلك نتيجة تكون هذه الجماعات من جانبين هما: التوقعات المشتركة التي تحدد الأدوار داخل هذه الجماعة، والإجراءات المرسومة التي تسير عليها، والأفراد الذين يشكلون المكون الثاني، فبينما تكون التوقعات معروفة، ومشتركة بين أعضاء المجتمع، فإن الأفراد الذين يشكلون هذه الجماعة، ملتزمين بهذه التوقعات غير معروفين، وإنما يظهرون في أوقات الحاجة ليشكلوا الجماعة حسب ما تمليه التوقعات المشتركة، التي هي جزء من الثقافة السائدة في المجتمع.
ومن الأمثلة على هذه الجماعات الكامنة في المجتمع العربي جماعة الجاهة، وجماعة البلديات، وجماعة العطوة، وتظهر جماعة الجاهة مثلاً وتتشكل من مجموعة الأفراد، لتأدية مهمة محدودة، وهي تذليل العقبات بين أسرتين مثلاً قيما يتعلق بإتمام الزواج بين شخصين ينتميان إلى هاتين الأسرتين.
