الترابط بين القوانين العامة والخاصة في التطور الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


جرى بحث ومناقشة مسألة الترابط بين القوانين العامة والخاصة في الأدبيات السوفييتية على نطاق واسع، لقد تبين أثناء هذه المناقشات أن جعل القوانين الخاصة تطابق القوانين العامة أو بالعكس جعل القوانين العامة تطابق القوانين الخاصة أو فصل الواحدة عن الأخرى لا أساس له من الصحة على السواء.

الترابط بين القوانين العامة والخاصة في التطور الاجتماعي

هناك من يعتبر أحياناً أن القوانين الخاصة هي شكل من الأشكال التي تبدو فيها القوانين العامة، فيدعي أن هناك قوانين عامة تدرسها المادية الديالكتيكية، وأما القوانين الخاصة فهي أشكال خاصة تدرسها المادية الديالكتيكية، وأما القوانين الخاصة فهي أشكال خاصة تبرز من خلالها فاعلية القوانين العامة.

من المحتمل أن تفضي وجهة النظر هذه إلى إنكار الاستقلال النسبي الذي تتمتع به القوانين الخاصة، وجعلها إحدى الأشكال للقوانين العامة، وفي هذه الحالة علينا أن نعتبر أن الأشياء الخاصة والملموسة ما هي إلا شكل من أشكال مواصلة الأشياء العامة، حيث أن فريدريك إنجلز أشار في مؤلفه ديالكتيك الطبيعة إلى أن الناس لا يتعاملون إلا مع أشياء وأشكال مختلفة للحركة موجودة واقعياً.

فالمادة بصورة عامة ليست سوى مجموعة من المواد والأشياء والظواهر التي يتكون منها هذا المفهوم المجرد، وأما مفهوم الحركة فهو ليس سوى مجموعة من الأشكال الملموسة للحركة، ولذلك فإن الأشياء العامة موجودة فعلياً، ولكنها ليست خارج الأشياء الخاصة إنما من خلالها.

فإن الأنماط الملموسة للحركة، كالحركة الآلية والتطور العضوي وتاريخ المجتمع وغير ذلك، هي ليست مجرد أشكال تظهر فيها الحركة بصورة عامة، ولهذا فإنه يستحيل علينا أن نجعل الترابط بين القوانين العامة والخاصة يخضع لوجهة النظر الجامدة هذه، وبهذا الصدد نطرح مثلاً السؤال التالي: هل أن جوهر قوانين علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء في أن هذه القوانين ليست سوى أشكال تظهر فيها قوانين الديالكتيك؟ فإن هذه العلوم تتضمن قوانين ملموسة وخاصة بها ولا تتكيف للقوانين العامة.

ولننطلق من وجهة النظر هذه في بحثنا لقوانين التطور الاجتماعي، إن هذه القوانين تختلف طبعاً عن القوانين العامة للمادية الديالكتيكية، وقبل كل شيء، في أن مجال فاعليتها هو مجال خاص بها، المجتمع البشري، ولكن المجتمع على العموم هو تشكيلات اجتماعية واقتصادية معينة وملموسة، وعلى شكل كيانات اجتماعية خاصة كالبلدان والشعوب وغيرها.

حيث أن هذه الحقيقة لا تعني أن المجتمع هو مفهوم مجرد بسيط، خالٍ من أية مضامين ملموسة، فالمجتمع يعبر عن تلك السمات الجوهرية والعامة التي تلازم جميع التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية بصرف النظر عن الخواص التي تتميز بها كل منها.

تفعل القوانين العامة مفعولها في التطور الاجتماعي من خلال عمليات ملموسة ومعينة طبقاً للظروف الخاصة للتشكيلة المعينة، فهل يعني ذلك أن القوانين الخاصة تبدو دائماً بذلك الشكل الذي تبدو فيه القوانين العامة؟ لا فالعلاقات بين هذه القوانين أكثر تنوعاً وتعدداً.

وبهذا الصدد علينا أن نضع حدوداً واضحة بين سؤالين، السؤال الأول هل في استطاعة القوانين العامة أن تفعل مفعولها على العموم على شكل القوانين الخاصة؟ والسؤال الثاني هل يمكننا أن نجعل القوانين الخاصة شكلاً من أشكال بروز القوانين العامة؟

ليس في وسعنا أن نجيب عن هذين السؤالين جواباً واحداً، لقد أكد كارل ماركس في رسالته المؤرخة عام 1868 والمعنوية إلى كوغلمان أن حتمية تقسيم العمل الاجتماعي حسب تناسب معين لا يمكن أن يزيل أي شكل خاص من أشكال الإنتاج الاجتماعي، وقارن ماركس بين هذا القانون الاقتصادي العام وقوانين الطبيعة التي يستحيل تصفيتها، الذي الشكل الذي تمهد هذه القوانين سبيلها من خلاله، وأما الشكل الذي يمهد قانون التقسيم المتناسب للعمل من خلاله سبيله في ذلك الوضع من المجتمع، حيث ترابط العمل الاجتماعي تجري على شكل التبادل الفردي لمنتجات العمل الفردية، أن هذا الشكل هو قيمة المقايضة لهذه المنتجات.

يبدو لنا من ذلك أن القانون العام الذي يعبر عن حتمية التناسب المعين لتقسيم العمل يفعل مفعوله في ظروف الرأسمالية على شكل قانون خاص للإنتاج السلعي، وهو قانون القيمة الذي لا يحدد هذا التناسب بصورة عفوية سوى في زمن معين، وسوى في نتيجة إعادة التوازن التوازن الذي كان قد اختل.

يشهد هذا المثل على أنه من الممكن أن يقوم ترابط بين القوانين العامة والخاصة، حينما تكون القوانين الخاصة شكلاً من أشكال القوانين العامة، ومن الطبيعي أن لا يكون الحديث هنا عن الشكل الخارجي لظهور القانون، الذي يبدو على سطح الظواهر، فإن كل قانون يعبر عن الروابط الجوهرية هو شكل من أشكال الصفات العامة، وهذا القول يتضمن القوانين العامة التي تنجسم في أشكال ملموسة لظواهر منفردة وفي تطور الأقطار المختلفة.

هل كل قانون خاص هو مظهر من مظاهر القانون العام

لا يمكننا ذلك فإن هذه النظرة هي نظرة خاطئة، إن الفكرة القائلة أن القوانين العامة لا تبدو خارج أشكالها الخاصة بها هي فكرة صائبة، حيث أنه يستحيل علينا أن نجعل هذه الأشكال الخاصة تطابق القوانين الخاصة، فإن هذه الأشكال هي عمليات ملموسة للحياة الاجتماعية، حيث تبدو في كل منها فاعلية القوانين العامة والخاصة على السواء.

لقد جاء في الأدبيات الفلسفية والاقتصادية السوفييتية أن الترابط القوانين العامة والخاصة متعددة ومتنوعة، فمن المحتمل أن يفعل القانون العام مفعوله من خلال قانون أو عدة قوانين خاصة، حيث أن هذه الحقيقة لا تعني مطلقاً أن هناك قانوناً خاصاً واحداً يناسب قانوناً عاماً واحداً أو بالعكس، نذكر مثلاً أن القانون الاجتماعي العام عن مطابقة العلاقات الانتاجية طبيعة ومستوى تطور القوى المنتجة يبدو حتماً على أشكال ملموسة معينة ومتنوعة في تشكيلات اجتماعية واقتصادية مختلفة.

ولكنه حينما يبدو على أشكال مختلفة فإنه لا يفعل مفعوله كقانون خاص في كل تشكيله من التشكيلات، ومن الجهة الأخرى، فإن القوانين الخاصة بالسكان التي تفعل مفعولها في تشكيلات مختلفة ليست شكلاً خاصاً من أشكال بروز القانون التاريخي العام.

لقد أشار كارل ماركس في الرأسمال إلى أن القانون المجرد أي العام الخاص بالسكان لا يسود سوى النباتات والحيوانات، حتى ذلك الحين الذي يقتحم الإنسان به هذا المجال، وفيما يتعلق بالمجتمع البشري فإن كل أسلوب من أساليب الإنتاج تلازمة قوانين لسكان البلاد خاصة به وذات هوية تاريخية.

إن القوانين العامة والخاصة تعبر عن روابط مختلفة، فهناك مجموعة معينة من ظروف وجود كل مجتمع من المجتمعات، حيث تجد تعبيراً لها في القوانين العامة، وهناك ظروف خاصة لوجود التشكيلة المعينة، وأن القوانين العامة تتضمن القوانين الخاصة، ولكن من المستحيل جعل القوانين الخاصة تنسجم مع القوانين العامة، فهي قوانين خاصة فريدة تختلف عن قوانين خاصة أخرى.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: