التركيز الحضاري وتأثيره على المجتمع الريفي

اقرأ في هذا المقال


في الوقت الحالي تتركز الحياة في المدينة الحضرية في حين يتزايد عدد السكان فيها، ويقل تدريجياً في المجتمع الريفي، كما أنّ الحياة الريفية تتأثر بحضارة المدينة الحضرية وتأخذ عنها بعض الخصائص.
بينت الاحصاءات العالمية المتعددة على أن السكان العالم بدأوا ينتقلون إلى التمركز في المناطق الحضرية بدل من المناطق الريفية.

تأثير التركيز الحضري على المجتمع الريفي:

حيث بدأت المناطق الحضرية بالاتساع بينما المناطق الريفية بدأت تضيق، حتى يمكن القول أنه من الجائز أنّ تدفع إلى انقراض الحياة الريفية، وتصبح الحياة كلها في المستقبل حياة حضرية ويرجع ذلك إلى سببين وهما:
الأول: خاصية الجذب التي تتمتع بها المدينة الحضرية بما فيها من مظاهر الرفاهية وفرص العمل والخدمات الأساسية والمرافق العامة، والعمل في الريف، حيث أنّ المدينة الآن اتجهت إلى إصلاح الريف وتزويد الإمكانيات الواسعة التي تجعل منه حضري بشكل تدريجي وتجعله منطقة حضرية، وتُعدّ حركة التصنيع السبب الذي يؤدي إلى ازدياد الفجوة.
الثاني: كثير من القرويين يهاجرون من الريف إلى المصانع في المدن الحضرية، وبالتالي تقليل الأيدي العاملة في القرى وبالعكس في المدن الحضرية، كما ازدادت وتيرة الهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية مما يعمل على زيادة أعداد السكان في المدن بشكل متسارع وبشكل خاص خلال القرن العشرين.
وقد كان حوالي واحد بالمئة فقط من سكان العالم يعيشون في المدن الحضرية التي يزيد عدد سكانها عن المليون نسمة وازدادت هذه النسبة من ذلك الوقت بعشرات المرات على الأقل، وقد أصبح مؤشر الهجرة من المجتمع الريفي إلى المدينة الحضارية مروع ومخيف في حجمه، وتواجه مدن العالم الثالث مشاكل الضغط السكاني.

التأثيرات الاقتصادية المتبادلة بين الريف والحضر:

ترتبط المناطق الحضرية والريفية من الناحية الاقتصادية في عملية تبادل المنتجات المصنعة وغير المصنعة، حيث يقوم كل جانب مقام السوق للجانب الآخر، تقوم المناطق الريفية في تقديم الكثير من المواد الخام اللازمة من أجل الإنتاج الصناعي في المناطق الحضرية، على شكل منتجات زراعية ومعدنية بصورة رئيسية.
يضاف إلى ذلك أنّ المناطق الريفية تقوم بتقديم الأغذية التي تستهلكها المدن الكبيرة والصغيرة، باستثناء كمية قليلة جداً تزرع داخل المناطق الحضرية ذاتها، أما المدن الحضرية تقوم بتقديم المدخلات المصنعة الضرورية من أجل الإنتاج الزراعي في المناطق الريفية والسلع الاستهلاكية الضرورية من أجل الحياة اليومية.
ومن هنا تنشأ في ما بينها علاقة اقتصادية تكاملية تبادلية، والمبدأ في العلاقة المتبادلة تشكل أسواق حضرية أقوى من أجل زيادة الإنتاج الريفي، بينما يقوم توفر الأسواق الريفية التي تأخذ شكل في الاتساع الحاد والكبير من أجل زيادة إنتاج السلع المصنعة داخل المناطق الحضرية.
وعلى المدى البعيد تقدم المراكز الحضرية مساحات اللازمة من أجل الاستثمارات الثانوية والخدمية ورؤوس أموال مستمدة من الإنتاج الأولي في المناطق الريفية، ومن أجل تسهيل العمليات الاقتصادية المتبادلة فإنه يتم ربط المناطق الريفية والمدن الحضارية ببنية أساسية مثل: شبكات النقل والكهرباء والاتصالات اللاسلكية.
ويعتبر توفير البنية الأساسية من أهم عوامل النمو الريفي، ومن استراتيجيات التخطيط التنموي المستدام الأكثر أهمية لدى البلدان بشكل عام، كما قامت وحققت المراكز الحضرية تأثيرات إيجابية كثيرة على المناطق الريفية النائية من خلال التحويلات النقدية التي يقوم بإرسالها ساكني المدن الحضرية إلى أقاربهم في المجتمعات الريفية، والعمل على نقل المعارف والمهارات عن طريق النازحين والعائدين من المناطق المدنية والحضارية إلى المناطق الريفية.
وبشكل عام لا تتحول المدينة إلى مجرد أسواق للمجتمع الريفي المجاور فقط لأنها تستقبل منه ما تصنع وتأخذ منه ما تاكل، وإنما يتم ذلك من خلال مؤسسات تجارية، التي تقوم بعرض الإنتاج وتتكفل بنقله والعمل على التوزيع في أوسع مجال والعمل على توفير احتياجات الريف من السلع المناسبة التي تناسب مع قدرتهم الشرائية.
وبالتالي فإن التجارة هي من أهم وجوه العلاقة الوظيفية بين المدينة والريف، حيث تقوم بدور الوسيط في الاتصال والتعامل فيما بين أجزاء المناطق الريفية المنتشرة ضمن إقليمها، كما أنّ ظهور المدن المركزية الحديثة الحضرية جعل من مفهوم المجتمع الريفي والمجتمع الحضري يفقدان معاني كثيرة، ولكن لا بد من اندماج المفهومان الريفي والحضري معاً لعمل كيان جديد مميز.
إن ما يميز النمط الريفي عن النمط الحضري أسلوب الحياة، ولكن دون اعتبار كل منهم كيان مستقل عن الآخر وبذلك يبدو واضحاً في المجال الاقتصادي بصفة خاصة، حيث يرتبط مستقبل المناطق الريفية ارتباط وثيق مع واقع ومستقبل المنطقة الحضرية ويوجد بشكل من الأشكال تبادل بين المناطق الريفية والحضرية ولا يقتصر هذا التبادل على الأنشطة الاقتصادية بل يتعداها إلى الحياة الاجتماعية نفسها.


شارك المقالة: