ما هما التصوران الموضوعي والذاتي للهوية الثقافية؟

اقرأ في هذا المقال


التصوران الموضوعي والذاتي للهوية الثقافية:

هناك علاقة وطيدة بين التصور للثقافة، بين تصورنا للثقافة وتصورنا للهوية الثقافية، كذلك إنّ الذين يعتبرون أن الثقافة طبيعة ثانية نتقبلها ميراثاً ولا سبيل إلى الإفلات منها، تعتبر الهوية فيها عبارة عن معطى يعرف الفرد بصفة نهائية ويُطبّعه بصفة تكاد لا تمحى.

من هذا المنظور تحيل الهوية الثقافية إلى مجموعة انتماء الأفراد الأصلية، حيث يكون الأصل والجذر بحسب الفكرة الاعتيادية أساس كل هوية ثقافية، أي ما يعرف الفرد بصفة أكيدة وأصلية، وهذا التمثيل شبه الأمر الوراثي للهوية والذي يؤدي دروه الحامل للأيديولوجيات، دور التجذير الذي يؤول إلى تطبيع الانتماء الثقافي.

وبتعبير آخر تكون الهوية سابقة على الفرد الذي ليس له إلا أن ينخرط فيها، وغير ذلك سيواجه المصير المهمش، والهوية المتصورة على هذا النحو تبدو جوهراً لا يحتمل تطوراً، وليس للفرد أو لمجموعة عليه أيّ سيطرة.

يمكن لإشكالية الأصل المنبثقة على الهوية أن تؤدي في نهاية الأمر، إلى تفريد للأفراد والجماعات إذّ أن الهوية في بعض الأطروحات المغالية تكون مرسومة عملياً في الإرث الجيني.

يولد الفرد بفعل ميراثه البيولوجي وله عناصر مكونة للهوية الإثنية والثقافية، بما فيها خاصيات الطبع الوراثي ومجموعة من الخصال النفسية التابعة للأمور الذهنية والعبقرية، تلك التي تختص بالشعب والتي ينتمي إليها كذلك تبنى الهوية على شعور فطري بالانتماء نوعاً ما، كذلك مفكراً فيها على أنها شرط مائل في الفرد وهذا ما قد تم تعريفه بصفة ثابتة ونهائية.

المقاربة الثقافية على الميراث البيولوجي:

يكون التجديد في المقاربة الثقافية على الميراث البيولوجي الذي لا يعتبر محدداً لها، بل على العكس من ذلك على الميراث الثقافي المتصل بتنشئة الفرد اجتماعياً، ضمن مجموعته الثقافية، على أن النتيجة تكون هي بحد ذاتها.

إذ يحمل الفرد بحسب هذه المقاربة على استبطان النماذج الثقافية التي تفرض عليه بصورة كملة بحيث لا يمكنه إلا أن ينسجم مع مجموعته الأصليه، وهنا تعرف الهوية أيضاً على أنها سابقة الوجود على الفرد، وتبدو كل هوية ثقافية على أنها مشتركة الجوهر مع ثقافة محددة لهذا يبحث في وضع قائمة الصفات الثقافية.

تلك التي يفترض أنها تسند حامل الهوية الجماعية، ولذلك يسعى نحو تحديد الثوابت الثقافية، التي تمكن من تحديد جوهر المجموعة أي هويتها الجوهرية شبه الثابتة بحد ذاتها هنالك نظريات أخرى في الهوية الثقافية توصف بأنها ذات مبدأ أولي، وهي تعتبر أن الهوية الإثنية الثقافية أولية؛ لأن الانتماء إلى المجموعة الإثنية هو الأول وهو الأكثر أساس من بين كل الانتمائات الاجتماعية.

في هذه الانتمائات تنعقد الصلات الأكثر تحديداً، كذلك إن المجموعة الإثنية هي التي يتم فيها الاشتراك في المشاعر والتضامنات الأكثر عمقاً والأكثر بناء، لذلك تبدو الهوية الثقافية معرفة على هذا النحو، وكأنها خاصية ملازمة للمجموعة لأنها تُنقل داخلها وبها دون العمل على إحالة المجموعات الأخرى وهكذا يكون التماهي والتقمص الثقافي تلقائي.

إذ يكون كل شئ مهيأ منذ البداية ما يصل بين مختلف هذه النظريات هو التصور الموضوعي ذاته للهوية الثقافية، إذ يتعلق الامر في جميع الحالات بتحديد الهوية الثقافية ووصفها، إذ يكون ذلك انطلاقاً من عدد معين من المؤشرات المحددة المعتبرة مؤشرات موضوعية، وبالنسبة إلى الأشخاص الموضوعانيين لمجموعة من الثقافات التي ليس لها موطن خاص، أو لها طبع وراثي خاص بها كذلك تعمل بعزمها على أن تكون عبارة عن مجموعة إثنية وثقافية.

إن تعريف الهوية هذه هي محل للنقد الشديد من قبل الأشخاص الذين يدافعون عن تصور ذاتي للظاهرة الثقافية، إذ لا يمكن بالنسبة إليهم اختزال الهوية الثقافية، فهي ليست هوية تلتقى بصفة نهائية حيث أن النظر إلى هذه الظاهرة من هذا النحو هو اعتبار لها على أنها ظاهرة جامدة ومستقرة وهي تحيل على جماعة محددة بصفة لا تغيير فيها وتعتبر شبه ثابتة.

وهذا في حين أن الهوية الإثنية والثقافية بالنسبة إلى بعض الاشخاص ليست هي إلّا سوى شعور بالانتماء، وما هو جدير بالاعتبار بالنسبة إلى بعض المحللين إلا هي عبارة عن مجموعة من التمثيلات التي يشيدها الأفراد عن الواقع الاجتماعي وعن أقسامه.

لكن نظرة الأشخاص الذاتيين مدفوعة إلى أقصاها، فهي تقضي إلى تثبيت الهوية الثقافية في مسألة اختيار فردي، وهذه الهوية يمكن أن تخلى عنها في نهاية الأمر باعتبارها صياغة متولدة من بعض الحيل الأيديولوجية.


شارك المقالة: