كانت الطبقة العاملة فاعلاً أساسياً في تنازعات المجتمعات الصناعية، ليس فقط بسبب كبر حجمها أو أهمية ظيفتها الاقتصادية، وإنما كنتيجة مترتبة على سلسلة كبيرة من العوامل البنيوية، فعلى سبيل المثال لو نظرنا على المصنع الفوردي، فسوف نرى عدداً كبيراً من العاملين يؤدون عمل متطابق داخل وحدات إنتاجية كبيرة لا تسمح بتنقل العمالة إلى في نطاق محدود.
التغير الاقتصادي والتفكك الاجتماعي وتأثيرها على الحركات الاجتماعية
إن هذه العوامل ساهمت في تعين فاعل اجتماعي محدد وعززت من التماسك الداخي، كان من بين النتائج المترتبة تؤكد على الطبقة العاملة في وحدات إنتاجية كبيرة جنباً إلى جنب مع قدرة على فعل جمعي حاشد.
لقد أضعفت التعديلات المؤثرة من صلابة القواعد التي تقوم عليها تنازعات المجتمعات الصناعية، إذ طرأت تحوّلات على وسائل تنظيم العمل داخل قطاع الصناعة، فقد حلت التكنولوجيا المؤتمتة ومجموعات المهام الصغير مكان منهج الإنتاج الكثيف المتميز للمصنع الفوردي وما يتصل به من نموذج العامل الكثيف الإنتاج، وهو ما استتبعه إضعاف التكاتف الجمعي الذي ينبع من تطبيق العمل نفسها.
طرأ تحوّل آخر، بدءً من عقد الثمانينات من القرن العشرين، ألا وهو انتقال الإنتاج من المصانع الضخمة إلى مصانع صغيرة الحجم، تزامناً مع نقل المؤسسات لعمليات إنتاجها إلى خارج نطاقها المحلي واستنادها على الموردين في إنتاج مكونات منتجاتها عوضاً من إنتاجها بنفسها، وهو ما أدى بدوره عن قدر كبير من اللامركزية في العمليات الإنتاجية ضمن الأماكن الجغرافية، وأدى إلى تقدم الاقتصاد الخفي غير الرسمي.
أدت هذه التحوّلات إلى انقطاع صلة التقرب المادي التي كانت موجودة من قبل بين المصانع والأحياء التي تسكنها الطبقة العاملة، والتي كانت تتضمن أحد مصادر التكاتف.
كذلك قد حدث تحوّل في أهمية بعض القطاعات الإنتاجية، إلى جانب حدوث ارتداد واضح في المهام الصناعي لصالح المهن الإدارية والخدمية، فقد شهد القطاع الخدمي في كافة أنحاء العالم تنامياً في الوظائف التي تستدعي مستوى عالياً من التأهيل، وهو ما ترتب عليه خلق طبقة مهنية وسطى جديدة تتفاوت كثيراً عن العاملين التقليديين في المهن المكتبية في قطاع الصناعة أو الأجهزة البيروقراطية العامة، كما ترك التحوّل أثره على كل من القطاع الخاص، متضمناً في زيادة ملحوظة في الخدمات الإنتاجية والقطاع العام، على هيئة توسع قوي في الخدمات الاجتماعية المتصلة بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.