التوجهات النظرية لمفهوم الصفوة عند روبرت ميشيلز:
تعد تحليلات ميشيلز أساساً ملائماً لقضية مهمة أثارها أصحاب نظرية الصفوة، والمتمثلة في حاجة التنظيم الاجتماعي المستمرة إلى الصفوة، حيث أجرى دراسة شاملة للنزعات الأوليجاركية (حكم الأقلية) في الأحزاب السياسية، معتمداً على تحليل تاريخ الحزب الألماني الديمقراطي الاشتراكي، الذي يعتبر حزب الطبقة العاملة وملتزم بالديمقراطية.
وقد وصل ميشيلز من دراسته إلى أنه هناك ثلاثة أسباب أساسية ساهمت في ظهور النزعة الأوليجاركية داخل المنظمات، أولهما هو سمات التنظيم نفسه، والثاني هو صفات القادة، أما الثالث فهو سمات الجماهير، فالمنظمات المعقدة تحتاج إلى قادة ذوي خبرة ومهارة فنية عالية، حيث أن المنظمة تدخل عادة في صراعات مع منظمات وجماعات أخرى، ومن ثم فهي تحتاج إلى قرارات سريعة ورشيدة، وذلك يتطلب هيئة إدارية وقيادة ذات مستوى رفيع من الخبرة والتدريب، ولذلك يحصل هؤلاء القادة على جزاءات ومكافئات عالية من حيث الدخل والمرتب، وكذلك ظروف العمل، ومع ذلك يتطلعون دائماً إلى المزيد، ما يجعلهم يتبنون اتجاهات محافظة.
دراسة ميشيلز عن الحزب الألماني:
وقد توصلت دراسة ميشيلز عن الحزب الألماني بأنه قد لوحظ من الناحية التنظيمية أن قيادة الحزب، بمرور الوقت، قد انفصلت واستقلت عن القاعدة، وأصبحت تعمل لصالحها الخاص بوصفها أقلية، ويطلق ميشيلز على العملية التي بموجبها تفقد أكثر المنظمات ديمقراطية نقائها وتتنكر لمثاليتها، وتصبح منظمات تحكمها الأقلية، اسم القانون الحديدي للأوليجاركية.
لقد عالج ميشيلز موضوع الصفوة معالجة مختلفة، تتعارض مع ما قدمه كارل ماركس من تفسر للتاريخ، وقد جاءت أفكاره هذه في مؤلفه الأحزاب السياسية، وعلى الرغم من أن ميشيلز قد أقر أهمية العوامل الاقتصادية في إحداث التغير الاجتماعي، موافقاً في ذلك مع ماركس، إلا أنه بيّن بأن هناك عوامل وقوى كثيرة تحدد مصير الديمقراطية والاشتراكية، تتمثل في طبيعة الإنسان ونوعية الصراع السياسي، فضلاً عن شكل التنظيم.
إضافة إلى أن ميشيلز يعتقد أن ماركس لم ينتبه بقدر كاف إلى ظاهرة هامة، وهي إن الديمقراطية تؤدي إلى ما يسمى حكم الأقلية الاوليجاركية، حيث أن الأحزاب السياسية، مهما كانت إرشاداتها ومسمياتها، فإنه يوجد بها اتجاهات أوليجاركية، تنتشر في أي تخطيط سياسي يساهم لتحقيق غايات معينة، أي أن هناك صفات معينة تميل إلى التحكم في التنظيمات السياسية، مبتعدة عن تحقيق الديمقراطية الحقيقية.