الثقافة مفهوم ذاتي متجدد:
على الرغم من سيادة الاختلاف بين لفظ ثقافة واللفظ الإنجليزي (Culture)، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود اختلافات كبيرة في الدلالات الأصلية بين المفهومين، أيضاً الثقافة في اللغة العربية مثلاً مقتبسة من الفعل ثَقُفَ أي حذق وفهم وضبط ما يحويه وقام به، وكذلك تعني فطن ذكي ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، وتدل على تهذيب وتسوية من بعد اعوجاج.
أبعاد المفهوم الثقافي المتجدد:
1- إن المفهوم العام للثقافة في اللغة العربية ينبع من معظم الأمور الإنسانية ولا يتم فيها الغرس من الخارج، ويشير ذلك أن الثقافة تتناسق تماماً مع الفطرة الانسانية، كذلك أيضاً ما يخالف الفطرة يجب تهذيبه، فالأمر ليس مرده أن يحمل الإنسان قيمًا “تُنعت بالثقافة” بل مرده أن يتفق مضمون هذه القيم مع الفطرة البشرية.
2- إن المصطلح العام للثقافة في اللغة العربية يشير إلى عملية التنقيب والبحوثات الثقافية، كذلك عملية الظفر بكافة معاني الحق والخير والعدل، كذلك كافة القيم التي تعبر عن الوجود الفعلي الإنساني، ولا يدخل فيه تلك المعارف التي تفسد وجود الإنسان، وبالتالي ليست أي قيم وإنما القيم الفاضلة، أي أن من يحمل قيماً لا تنتمي لجذور ثقافته الحقيقية فهذه ليست بثقافة وإنما استعمار وتماهي وتقمص في قيم الآخر.
3- المفهوم الذاتي المتجدد للثقافة يركز في أمر المعرفة التي يحتاج الإنسان إليها، ذلك تبعاً لمجموعة من ظروف بيئته ومجتمعه، وليس على علاقة في أنواع المعارف والعلوم، ويبرز الاختلاف الواضح بين مفهوم الثقافة في اللغة العربية ومفهوم “Culture” في اللغة الإنجليزية، حيث يربط المفهوم العربي الإنسان بالنمط المجتمعي المعاش، وليس بأي مقياس آخر يقيس الثقافات قياسًا على ثقافة معينة مثل المفهوم الإنجليزي القائم على الغرس والنقل.
4- تعتبر الثقافة ضمن معناها المتجدد على أنها عبارة عن عملية متجددة بشكل دوري ولا تنتهي أو تتوقف أبدًا، وبذلك تنفي تحصيل مجتمع ما العلوم التي تجعله على قمة السلم الثقافي؛ فكل المجتمعات إذا استوفت مجموعة من القيم الإيجابية التي تحترم الإنسان والمجتمع، فهي ذات ثقافة تستحق الحفاظ عليها أيَّا كانت درجة تطورها في السلم الاقتصادي فلا يجب النظر للمجتمعات الزراعية نظرة دونية، وأن تُحترم ثقافتها وعاداتها.