كانت الحياة اليومية في مصر القديمة تدور حول النيل والأراضي الخصبة على ضفافه، وقد أدى الفيضان السنوي لنهر النيل إلى إثراء التربة وجلب المحاصيل الجيدة والثروة إلى الأرض، كما بنى شعب مصر القديمة منازل من الطوب اللبن في القرى وفي البلاد، وكانوا يزرعون بعض طعامهم ويتاجرون في القرى بالأغذية والسلع التي لا يستطيعون إنتاجها، أما الأبقار والماشية كانت ترعى على ضفاف النيل حيث هذا هو عمل معظم المصريين القدماء كأيدٍ ميدانية ومزارعين وحرفيين وكتبة.
العلاقات التجارية
مع جنوب غرب آسيا أهم منطقة للتفاعل الثقافي في مصر، والتي تم تلقي منها محفزات للتطوير التقني وأصناف المحاصيل، ونتيجة ازدهار واستقرار البلاد فقد جاء العديد من المهاجرين إلى مصر بالإضافة إلى الغزاة البرزخ، ولكن منذ نهاية الألفية الثانية من قبل الميلاد تعرض الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط لعدة هجمات برًا وبحرًا، ونتيجة لذلك ضعفت الاتصالات الثقافية والتجارية عبر البحر الأبيض المتوسط، ولكن فيما بعد استطاعت مصر المحافظة على التبادل التجاري مع ميناء جبيل اللبناني.
ولكي تحافظ على مستوى من المعيشة الأساسي لا بد من توافر الواردات، حيث كانت مادة الخشب من ضروريات البلاد التي لم تكن متوفرة في البلاد، والتي عادة ما يتم توفيرها لبنان، كما قامت مصر بالعمل على استيراد عدة معادن من عدة مناطق بعيدة كالأناضول وأفغانستان ومن هذه المعادن حجر السج واللازورد.
كما احتاجت مصر إلى القليل من الواردات للحفاظ على مستويات المعيشة الأساسية، ولكن الأخشاب الجيدة ضرورية وغير متوفرة داخل البلاد، لذلك يتم الحصول عليها عادة من لبنان، وتم استيراد المعادن من دول بعيدة مثل الأناضول وأفغانستان.
الثروة الزراعية
تركزت الزراعة على زراعة محاصيل الحبوب وعلى رأسها قمح الإمر (Triticum dicoccum) والشعير (Hordeum vulgare)، وضمنت خصوبة الأرض والتنبؤ العام بالفيضان إنتاجية عالية للغاية من محصول سنوي واحد، وجعلت هذه الإنتاجية من الممكن تخزين فوائض كبيرة ضد فشل المحاصيل، وشكلت أيضًا الأساس الرئيسي للثروة المصرية، والتي كانت حتى إنشاء الإمبراطوريات الكبيرة في الألفية الأولى قبل الميلاد أعظم إمبراطوريات أي دولة في الشرق الأوسط القديم.
تم تحقيق الري في الأحواض بوسائل بسيطة، ولم يكن الزراعة المتعددة ممكنة إلّا في أوقات متأخرة، وربما باستثناء منطقة الفيوم الواقعة على ضفاف بحيرة، فمع ترسيب النهر للطمي الغريني ورفع مستوى السهول الفيضية واستصلاح الأراضي من المستنقعات، كما توسعت المساحات المتوفرة لعملية الزراعة في كل من وادي النيل والدلتا ونتيجة لذلك انخفض الرعي بشكل بطيء، حيث كانت الفاكهة والخضروات ذات أهمية كما هي محاصيل الحبوب والتي تروى على مدار العام بشكل قطع أراضي صغيرة.
كانت الأسماك أيضًا عنصرًا حيويًا في النظام الغذائي، وتم جمع ورق البردي الذي نما بكثرة في المستنقعات في البرية وفي أوقات لاحقة كان يُزرع، والذي تعددت استخداماته فقد استخدم كمنتج غذائي، وكذلك في العملية الصناعية لبعض المواد مثل الحبال والصنادل وكذلك الحصير.
تدجين الماشية
في شمال شرق إفريقيا عرفت تدجين الماشية فقد احتفظ سكان مصر بعدة حيوانات التي تجر وبعض من المنتجات العديدة، وإن دل هذا على شيء يدل على استمرار الاهتمام بالتاريخ والسلالات والأفراد الموجودة حتى هذا اليوم في كل من السودان وشرق إفريقيا، ومن الممكن أنّ حيوان الحمار هو حيوان الجر الأساسي، حيث لم يكن الجمل شائع الاستخدام حتى العصر الروماني، والذي قد تم تدجينه في المنطقة، بينما تعد الأغنام ذو الأصول المصرية في الألفية الثانية قبل الميلاد، والتي انقرضت فقد تم تغييرها بسلالة من الأغنام ذو الأصول الآسيوية.
يعد المصدر الأساسي للحوم في مصر القديمة هي الأغنام ولم يكن من الشائع استغلال صوفها، ومن المتعارف عليه بأنّ أعداد الماعز تفوق أعداد الأغنام، بينما حيوان الخنزير كان يتم تربيته وأكله، وبالنسبة للبط والإوز فقد استغلت للطعام، كما تم صيد واحتجاز أعدادًا هائلة من الطيور المهاجرة، وكذلك البرية المتواجدة في مصر.
في حين أنّ الامتياز الملكي كان يتم باصطياد الطرائد الصحراوية بأنواعها المختلفة كالظباء والوعل والأسود والماشية البرية، أما فيما يتعلق بالحيوانات الأليفة من مثل القطط والقرود والكلاب التي استخدمت لغايات الصيد، كما كان لدى المصريين القدامى معرفة واسعة واهتمام كبير بأغلبية أنواع الحيوانات التي تعيش في بيئتهم من الثديات والطيور والزواحف والأسماك.
الحرف اليدوية
مثلما قام المصريون بتحسين الإنتاج الزراعي بوسائل بسيطة، فإن حرفهم وتقنياتهم التي جاء الكثير منها في الأصل من آسيا فقد تم رفعها إلى مستويات غير عادية من الكمال، واستغل الإنجاز التقني الأكثر لفتًا للأنظار المصريين، وهو البناء الحجري الضخم، وأيضًا إمكانات الدولة المركزية لتعبئة قوة عاملة ضخمة، والتي تم توفيرها من خلال الممارسات الزراعية الفعالة.
ملكية الأراضي
كان جميع الناس تقريبًا يعملون في الزراعة وربما كانوا مرتبطين بالأرض، ومن الناحية النظرية كانت كل الأرض ملكًا للملك، على الرغم من أنّه من الناحية العملية لا يمكن إزالة أولئك الذين يعيشون عليها بسهولة، ويمكن شراء بعض فئات الأراضي وبيعها، وتم تخصيص الأرض لكبار المسؤولين لتزويدهم بالدخل وكانت معظم الأراضي تتطلب دفع مستحقات كبيرة للدولة، والتي لها مصلحة قوية في الحفاظ على الأرض للاستخدام الزراعي، وأعيدت الأراضي المهجورة إلى ملكية الدولة وأعيد تخصيصها للزراعة.
حسب القوانين والقواعد المصرية القديمة لم يكن يسمح للأفراد الذين يعملون في الأرض أو يعيشون عليها بالمغادرة من البلاد، ولكن هم مجبورين في البقاء للعمل في الأرض، وبذلك هم ليسوا عبيدًا فهم يدفعون نسبة معينة من انتاج ارضهم إلى كبار المسؤولين في البلاد.
لم تكن العبودية شائعة على الإطلاق فقد اقتصرت على الأسرى والأجانب أو الأشخاص الذين أجبرهم الفقر أو الديون على بيع أنفسهم للخدمة، حتى أنّ العبيد في بعض الأحيان كانوا يتزوجون من أفراد عائلات أصحابها، بحيث أنّ أولئك الذين ينتمون إلى الأسر على المدى الطويل يميلون إلى الاندماج في المجتمع الحر، كما أنّه في عهد الدولة الحديثة -1539 إلى 1075 قبل الميلاد- لم يكن مفهوم العبيد بصورته المألوفة حيث من الممكن للعبيد الأسرى اللذين تم الإتيان بهم من مؤسسات الدولة الكبرى أو عن طريق دمج العبيد في الجيش.
وشملت المعاملة العقابية للعبيد الأجانب أو الهاربين من التزاماتهم العمل القسري والنفي أو التجنيد الإجباري في حملات التعدين الخطرة، وحتى العمل غير العقابي مثل المحاجر في الصحراء كان محفوفًا بالمخاطر، ويُظهر السجل الرسمي لبعثة واحدة معدل وفيات يزيد عن 10 بالمائة.