الخلفية الأيديولوجية لنظرية علم الاجتماع عند هربرت سبنسر:
يعد هربرت سبنسر من أهم رواد أنصار النظرية العضوية في علم الاجتماع التي تريد الأخذ بفكرة المطابقة بين المجتمع وبين الإنسان، كذلك هذا المفكر أبرز رواد الاتجاه الدرواني في علم الاجتماع، وهو الاتجاه الذي يصر أن نمو المجتمع الإنساني يدل من خلال سلسلة من المراحل الحتمية لا يمكن ﻹدارة المجتمع تعديلها فالتطور الاجتماعي عند أنصار هذا الاتجاه مترابط بقوى طبيعية تتجاوز إرادة الفرد.
ومن الغريب أن أفكار دارون عن الصراع والنضال والكفاح، كانت هي الأساس الذي استند إليه أنصار الاتجاهات السياسية المتصارعة والمتعارضة، لدعم واثبات صحة نظره، وبهذا حاول كل فريق من العلماء أو الباحثين تفسير آراء دارون، كما ظهرت في دراساته عن أصل الأنواع وتسلسل الإنسان بما يخدم وجهة نظره السياسية والأيديولوجية، ولهذا فإننا نجد أن النظرية الدارونية كانت هي الأساس الذي يستند إليه أنصار الدفاع عن حق الشعوب في الحياة والاستقلال وتقرير المصير.
والواقع أن طبيعة المناخ السياسي والفكري والاقتصادي التي كانت سائدة في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر، هو الذي أدى إلى ظهور هذه التأويلات المتناقضة للنظرية الدارونية في محيط الاقتصاد والسياسة والاجتماع.
وعلى سبيل المثال فقد كانت إنجلترا هي أعرق دولة في مجال الرأسمالية فكراً وتطبيقاً، وكان يسودها مذهب الحرية الفردية وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي أو الاجتماعي، حيث كان دورها يقتصر على تحقيق الدفاع الخارجي والأمن الداخلي، وكانت الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بريطانيا في حاجة إلى نظرية اجتماعية تقدم الدعم الأيديولوجي والفكري الذي يسندها.
ظهور نظرية سبنسر في علم الاجتماع:
ومن هنا ظهرت نظرية سبنسر في علم الاجتماع التي تمجد الصراع والحرب والانقسام الطبقي، على أساس أن الحرب في كافة أشكالها ليست ظاهرة طبيعية ولا يمكن تفاديها فحسب، ولكنها شرط أساسي وجوهري لتحقيق الازدهار في كافة أشكالها ليست ومظاهره الاقتصادية والفكرية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية.
وقد أشار سبنسر صراحة إلى أنه إذا كان من الصعب علمياً أن نبرز المآسي التي يؤدي إليها الصراع بين المجتمعات والدول، ذلك الصراع الذي بدأ بالحروب المتقطعة بين القبائل الصغيرة منذ آلاف السنين، وانتهى بالمواقع الكبرى التي تخوضها اليوم الدول العظمى، فإنه مع ذلك كله يجب علينا أن نعترف بأنه أولاً هذا الفظائع لظل العالم إلى اليوم يسكنه مجموعات ضعيفة متخاذلة ومتخلفة من البشر، يبحثون عن المأوى في الكهوف والمغارات، يعتمدون على غذاء جيد، فالصراع الذي بين الجماعات والمجتمعات، من أجل الاستمرار والبقاء يعد شرطاً جوهرياً للتقدم والانطلاق نحو آفاق أكثر تقدماً على جميع المستويات تكنولوجياً واقتصادياً وسياسياً وفكرياً.