الخليفة الهادي موسى بن محمد

اقرأ في هذا المقال


الخليفة الهادي موسى بن محمد:

ولِدَ الخليفة موسى الهادي بالسيروان من الري عام (144 هجري)، أيام خلافة جده المنصور، وأمه أم ولد بربرية هي الخيزران. ونشأ في بيت الخلافة. كان طويلاً جسيماً جميلاً، أبيض مشرباً بالحمرة، في شفته العليا تقلص. ومع ذلك كان فصيحاً، أديباً، قادراً على الكلام. وكان شهماً خبيراً بالملك كريماً.

من أفكه الناس مع أصحابه في الخلوة، فإذا جالس الناس في مقام الخلافة كانوا لا يستطيعون التمعن فيه، لما له من المهابة والقيادة. وكان يقول: ما أصلح الملك بمثل تعجيل العقوبة للجاني، والعفو عن الزلات ليقل الطمع عن الملك. وغضب يوماً على رجل فاسترضي عنه فرضي، فشرع الرجل يعتذر، فقال الهادي: إن الرضا كفاك مؤونة الاعتذار. وعزّى رجلاً في ولده فقال له: سرّك وهو عدو وفتنة، وساءك وهو صلاة ورحمة.

بدأ في عصره صخب الجند، وكثر السلاح. ومشت الرجال بين يديه بالسيوف، والقسِي وقلّده عماله في ذلك. بويع بالخلافة بعهد من أبيه، وكان بجرجان يُحارب أهل طبرستان، وتوفى أبوه فى ماسبذان في شهر محرم، وهو قادم إليه، ومعه ابنه الرشيد، وحاجبه الربيع بن يونس مولى أبي جعفر المنصور، ويحيى بن خالد البرمكي. فوارى الرشيد أباه في التراب، وعاد إلى بغداد، ورجع موسى الهادي إلى مقر مُلكه فوصل إليه في شهر صفر أي بعد وفاة المهدي بشهر تقريباً فأخذ البيعة، وجلس للأمر.

تتبع الزنادقة وأعمل فيهم السيف مثل والده وحسب وصيته إذ قال له: وقد أمر بضرب عنق زنديق: يا بنى، إن فعل لك هذا الأمر فننزع لهذه العصابة (يعني أصدقاء ماني)، فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومسّ الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرُّجاً وتحوُّباً.

ثم تذهب بها من هذه إلى طاعة اثنين: أولهم النور والثاني الظلمة، ثم يحلُّ بعد هذا نكاح الأخوات والبنات والأغتسال من النجاسة وأخذ الأطفال من الشوارع، لتُنقذهم من طريق الظلمة إلى نجاة وهي النور؛ فارفع فيها الخشب، وجرّد فيها السيف، وتقرّب بأمرها إلى الله لا شريك له؛ فإني رأيتُ جدك العباس في المنام قلدني بسيفين، وأمرني بقتل أصحاب الاثنين. واستعمل على الحجابة بعد الربيع بن يونس ابنه الفضل واستوزره.

وعمل على خلع أخيه الرشيد من ولاية العهد وتولية ابنه جعفر، وكان صغيراً لم يبلغ الحلم، ووافقه عدد من الأمراء والقادة على ذلك، وخالفته أمهما الخيزران، وكانت تميل إلى ابنها الرشيد أكثر من موسى، وألحَّ على أخيه في ذلك، وبعث إلى يحيى بن خالد البرمكي، وكان من أكابر الأمراء الذين هم في صف الرشيد، فقال له: ماذا ترى فيما أُريد من خلع هارون وتولية ابني جعفر؟ فقال له يحيى: إني أخشى أن تهون الأيمان على الناس.

ولكن الأساس يقتضي أن يجعل جعفراً ولي العهد من بعد هارون، بالإضافة إلى ذلك فإني أخاف أن لا يستجيب أكثر الناس إلى البيعة لجعفر، لأنه دون البلوغ. فيتفاقم الأمر ويختلف الناس. فأطرق ملياً – وكان ذلك ليلاً – فأمر بسجنه ثم أطلقه. وجاء إليه يوماً أخوه هارون الرشيد فجلس عن يمينه بعيداً، فجعل الهادي ينظر إليه ملياً، ثم قال: يا هارون! تطمع أن تكون ولياً للعهد حقاً؟

فقال: نعم والله، ولئن كان ذلك لأصلن من قطعت، ولأعدلن من ظلمت، ولأزوجن بنيك من بناتي. فقال: ذاك الظن بك. فقام إليه هارون ليُقبل يده، فحلف الهادي ليجلس معه على السرير، فجلس معه، ثم أمر له بألف ألف دينار، وأن يدخل الخزائن فيأخذ منها ما أراد وإذا جاء الخراج دفع إليه نصفه. ففعل ذلك كله ورضي الهادي عن الرشيد.

استحوذت الخيزران على ابنها موسى في أول عهده، كما استحوذت على أبيه من قبل، وبدأت الأمراء تقف على بابها، لكن الهادي لم يلبث أن منعها من التصرف في شيء من المملكة، وحلف لئن وصل أمير إلى بابها ليقطع عنقه ولا يقبل منه شفاعة، فامتنعت من الكلام في الشؤون، وحلفت ألا تُكلم ابنها أبداً وانتقلت عنه إلى منزل آخر.

وفاة الخليفة الهادي:

مات الهادي في منتصف ربيع الأول من عام (170 هجري)، واختلف في موته، أكان سُمّاً أم بسبب قُرحة أصابته في جوفه. وقد حكم مُدة سنة واحدة وثلاثة أشهر. وخلّف سبعة أولاد من الذكور، أكبرهم جعفر الذي كان يرشحه للخلافة، وابنتين اثنتين إحداهما أم عيسى التي تزوجها المأمون ابن أخيه الرشيد. وكان يُكنّى بأبي محمد.

الحركات في عهد الخليفة الهادي:

لم تستمر أيام الهادي بشكل طويل، ولم تحدث في هذه المدة القصيرة أحداث واسعة سوى خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان سبب خروجه أن الهادي عندما عزل عن المدينة إسحاق بن عيسى ولّى عليها عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب طالب بتُهمة فاختفى، وكان قد كفله الحسين بن علي بن الحسن، ويحيى بن عبد الله بن الحسن فدعاهُما الوالي وأغلظ إليهما.

ثم رجعها مرةً أُخرى فألجأت الحسين إلى الخروج لمَا نيل منه، وكان أن خرج الوالي إلى جماعة فبايعوه للرضا من أهل البيت، واقتتلوا مع أنصار العباسيين عدة مرات، ثم خرج مع جماعته إلى مكة المكرمة فأقاموا بها إلى موسم الحج، فبعث إليهم الهادي جيشاً فاقتتلوا بعد فراغ الناس من الموسم في وادي فخ فقتل الحسين بن علي وجماعة من أنصاره، وأفلت من هذه المعركة إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، واتجه إلى مصر، ومنها انطلق إلى المغرب.

وكانت فترة خروج الحُسين بن علي تسعة أشهر وثمانية عشر يوماً. وأنهى على ثورة دحية المرواني في صعيد مصر والتي قامت مُنذ أيام والده إذ أرسل والياً إلى مصر الفضل بن صالح بن علي فهزم دحية، الفسطاط، وقد اتسعت واتصلت بالفسطاط .

المصدر: ❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر صفحة (137 – 141)❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش


شارك المقالة: