الدفاع الاجتماعي في المدرسة الوضعية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الدفاع الاجتماعي في المدرسة الوضعية في علم الاجتماع:

ظهرت هذه المدرسة في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين قرر أنصارها أن الجريمة كأي تصرف في ظاهرة طبيعية كالزوبعة والفيضان والبرق، ويجب على الجماعة أن تحمي نفسها، بالتخلص من المجرم وهذه حماية للجماعة وليس عقاباً للمجرم.

ويعد الباحث إنريكوفيري أحد ثلاث شخصيات أسسوا المدرسة الوضعية في علم الإجرام، وهم لم ينظروا إلى الوضعية على أنها حركة صلاحية، ولكنهم نظروا إليها على أنها تحول كوبرنيكي في تصور الناس للجريمة وللطبيعة الإنسانية.

وتبرز فكرة الدفاع الاجتماعي لدى أنصار المدرسة الوضعية في نظرية فيري، فقد ذهب هذا المفكر الاجتماعي في إيطاليا إلى أن الرسالة التاريخية للمدرسة الكلاسيكية تتمثل في محاولة تخفيض العقاب، أما المدرسة الوضعية فإنها تتابع في نظر فيري هذه الرسالة العلمية والعملية من خلال إضافة أهداف سامية أخرى يجب السعي لتحقيقها وهذه الأهداف السامية لا تتمثل فقط في معالجة مشكلة إنقاص الجريمة ذاتها.

ويذهب أنصار الوضعية إلى أنه يجب القضاء المنهجي على خرافة حرية الإدارة التي قال بها أنصار المدرسة الكلاسيكية، وهم يحاولون إحلال علم المجتمع بدلاً من هذه الخرافة على حد قولهم من أجل القضاء على الجريمة.

يذهب الباحث إيزنك وهو أحد أنصار الوضعية، إلى أن الوضعية تقدم مدخلاً مختلفاً لدراسة وفهم الجريمة، وهو مدخلاً موجه أساساً لتحقيق أهداف عملية مثل القضاء على السلوك المضاد للمجتمع، وإذا كانت أغلب المحاكم والنظم العقابية في العالم الغربي منذ نهاية القرن التاسع عشر، قد أخذت بنتائج وآراء المدرسة الكلاسيكية المحدثة، فإن غالبية أبحاث علم النفس والاجتماع في مجال السلوك الانحرافي كانت تنطلق من الإطار الوضعي، وقد كان الخلاف الأساسي بين النموذج الكلاسيكي ﻻوالنموذج الوضعي يدور حول قضية المسؤولية في مجال الفلسفة العقابية.

ومن المهم أن نميز بين الوضعية كما تستخدم في علم الإجرام، وبين الوضعية كما هي متضمنة في النظرية الاجتماعية والسيكولوجية بوجه عام، فالوضعية في دراسات الجريمة ترتبط بشكل واضح بإطار الممارسة أو التطبيق الفوري، ويهمنا إبراز العناصر الأساسية المشتركة لكل النظريات التي تتدرج تحت إطار الوضعية، على الرغم من الاختلافات الجزئية بين هذه النظريات حول التفاصيل.

وأهم سمة للوضعية، وهي السمة التي يمكن لكل السمات الأخرى أن تشق منها هي الإصرار على حدة المنهج العلمي، وهذا يعني أن القواعد والإجراءات والوسائل التي أثبتت نجاحها في مجال العلوم الطبيعية، يمكن استخدمها وتطبيقها بنفس النجاح عند دراسة الإنسان ومجتمعه، وهذا هو ما جعل أنصار الاتجاه الوضعي يطلقون في ظل هذا المبدأ في محاولة تطبيق مناهج تكميم السلوك، وتأكيد أن الفعل الإنساني محكوم بقوانين ثابتة وحتمية، والقول بموضوعية الباحث في مجال المجتمع والسلوك الإنساني.

وقد استطاعت العلوم الطبيعية التوصل إلى تعميمات تشبه القوانين، من خلال قياس وتكميم الظواهر، وقد انطلق علم الجريمة الوضعي للسير في خطوط مماثلة، حيث حاول الباحثون التوصل إلى وحدات دقيقة وقابلة للقياس والحساب للجريمة والانحراف كخطوة أولى نحو التعميم.

وكانت المشكلة الأولى التي قابلوها تتمثل في كيفية التمييز بين السلوك الإجرامي أو الانحرافي من جهة وبين السلوك السوي من جهة أخرى على أساس كمي، وكان من الطبيعي أن يلجأ الباحثون إلى إحصاءات الجريمة، باعتبار أنها تمدنا بالتفاصيل حول كم وأنماط الجرائم التي ترتكب الجريمة داخل المجتمع.

انتقادات للمدرسة الوضعية في علم الاجتماع:

1- إن هذه الإحصاءات تم تصنيفها وفقاً لمعايير قانونية، وهذه المعايير الأخيرة ربما كانت غير كافية للتحليل العلمي.

2- إن هذه الإحصاءات تعد على أساس الجرائم المعلومة للشرطة، وهي عادة لا تمثل إلا نسبة قليلة من مجموعة الجرائم الكلية التي ترتكب داخل المجتمع، ولهذا فإن مجموع الجرائم التي تقدمها الإحصاءات تختلف من مجتمع إلى آخر استناداً على عدة متغيرات مثل درجة يقظة جهاز الشرطة، ومدى قدرة الشرطة على الانتشار داخل مواقع المجتمع، وامكانيات ذلك الجهاز ورغبة الشرطة في إبراز أو عدم إبراز انحرافات معينة.

3- عادة ما تحدد الإحصاءات الجنائية الجرائم التي تمثل سلوكاً ينتهك القانون أو المعايير القانونية، وهذه القوانين عادة ما تكون انعكاساً ﻵراء وتصورات وأهواء واضعي القوانين، أو مصالح جماعات القوة، وهو بالتالي لا يمثل اجماعاً من كل أعضاء المجتمع.

وقد ظهرت عدة محاولات لتجاوز هذه الصعوبة، منها اتجاه الوضعية الليبرالية، ويمثلها لزلي ولكنز، في دراسة له قدمها سنة 1964 في محاولة منه للبحث عن نموذج إحصائي للامتثال والانحراف، ومع اعتراف أنصار هذا الاتجاه بقصور الإحصاءات الجنائية، إلا أنهم يرون أنه من الممكن مراجعتها بحيث تصبح صالحة للاستخدام في التحليلات العلمية.

ويذهب أنصار الاتجاه الليبرالي الوضعي إلى إمكان وجود اتفاق اجتماعي وأخلاقي داخل المجتمع، خاصة في المجتمعات التي تطبق النظم الديمقراطية، وهم يرون أن القانون في تلك الدول يمثل البلورة الرسمية، لهذا الاجماع أو الاتفاق، والجريمة في ضوء هذا التصور تمثل الحد الأقصى للانحراف.


شارك المقالة: