الصراع بين القيسية واليمانية في الدولة الأموية

اقرأ في هذا المقال


الصراع بين القيسية واليمانية:

قام أهل الشام بمبايعة معاوية بن يزيد، وكان حينها في عمر العشرين، وكان يختلف كل الاختلاف عن والده، فكان لا يحب الخصام وعازفاً عن السياسة، ولم يبقَ على الخلافة كثيراً فقام بعد عشرين عاماً من خلافته بخلع نفسه أمام الناس، ولم يضع خليفةً بعده؛ لأنه لم يرى شخصاً صالحاً كأمثال عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق، وكانت وفاته بعد اعتزاله بقليل.
وكان لوفاة يزيد بن معاوية تأثير كبير؛ إذ بقي كرسي الخلافة فارغاً، وأصبح البيت الأموي في ووضع صعب، فكان من رأي أهل الحجاز أن تكون البيعة لابن الزبير، ولأن طلب عبيد الله بن زياد البيعة لنفسه لم يكن مجدياً بوجود ابن الزبير، وأهل الكوفة رفضوا أيضاً مباييعته، وبذلك تكون البيعة تمت لابن الزبير.
وبعد البيعة لابن زبير انقسم أهل الشام لقسمين؛ فريق بايع ابن الزبير، والطرف الآخر رفضوا البيعة، فالذين بايعوا ابن الزبير من العدنانيين القيسيين، أما من رفضوا بيعته من اليمانيين، فكان الخلاف بين الفريقين سببه هو النظرة الإقليمية لكل منهما، فكان العدنانيون يرون أن مقام الخليفة ليس شرطاً أن يكون في الشام فقط، أما الكلبيون كانوا متمسكون بالشام والإقامة فيها.
فقام معاوية بن أبي سفيان بوضع خطة مع القيسيين، وقد كسب مواقعه طاعة الكلبيين أولاً، وبعدها اندماج القيسيين معه، وكانت سياسته توحي أن من أقام في الشام قديماً وهم الكلبيين، وهكذا أصبح بنو كلب هم أصحاب السياسة الواقعية، فهي تمثلهم ولا تمثل القيسيين من أهل الحجاز، وهذه السياسة تمثل لنا الاتجاه الذي سار فيه الكلبيين، وأن القيسيين ما كان أن يتمسكوا بهذه السياسة تمسكاً شديداً إلا في الظروف التي يجب التمسك بها.
وكان زعيم القيسيين هو الضحاك بن قيس الفهري وهو من القيسيين، وهو أميراً من أمراء معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية، وكان مخلصاً كل الإخلاص، وكان أيضاً أميراً على دمشق عندما اعتزل معاوية الثاني، ولكن لم يرى القيسيون والضحاك أوَّلهم أي حرج من مبايعة الزبير، فقد بايعه الناس من جميع الأقطار وهو يجب أن يكون معهم.
وتتابعت البيعة لابن الزبير عند كل القيسيين، فبايعه أيضاً زفر بن الحارث وهو على قنسرين، ونائل بن قيس القيسي وهو على فلسطين، ودخل أيضاً في البيعة النعمان بن بشير الأنصاري، ولم يكن بشر قيسياً بل من النصارى وكان على حمص.
أما الكلبيون فقد رفضوا هذه البيعة ووقفوا في وجهها، وكان تمسكهم بالأمويون كبيراً ولم يتزحزحوا عن اتباعهم، وكان على عجلة بأن يعيدوا كل من بايع ابن الزبير إلى الحظيرة نفسها، فقام حسان بن مالك بن بحدل خال معاوية الثاني للضحاك بي قيس الفهريس كتاباً يعظم فيه حق الأمويون، ويذكره بك ما صنعه له الأمويون، ويدعوهم للطاعة لبنو أمية.
وأخفى الضحاك الكتاب الذي أرسله حسان، ولم يجعل أحد يقرأه من المسجد، لكن رسول حسان بن مالك قام بنسخ الكتاب وقرأها، فانقسم بعدها الناس في المسجد إلى قسمين، فريق بجانب الأمويون في بلاد الشام، وفريق القيسيين مع ابن الزبير، فألقى الضحاك القبض ععلى كل من خالف، ولكن أطلقت قبائلهم سراحهم وحصل الشغب في المدينة، وسمي يوم الكتاب بيوم جيرون.
وعندما حصل الإضطراب خشي الناس الفتنة، فاتفقوا على أن يذهبوا إلى الجابية، ويقيمون انتخابات يصوتون فيها على خليفة، ولكن القيسيين أقنعوا الضحاك بعدم البيعة ليزيد لأنه صغير السن، فوافقهم وذهب بهم إلى مرج راهط، وكان الكلبيون قد اجتمعوا في الجابية، وأتى مروان بن الحكم وعائلته، وكان المرشحون من الكلبيون للخلافة هم: مروان بن الحكم، عمرو بن سعيد بن العاص، خالد بن يزيد بن معاوية، ولكل منهم جهة تحميه وتقوم بالدفاع عنه.
وهنا خرج مناصروا مروان بن الحكم وقالا: أنه لا يجوز أن نجعل للقاء ابن الزبير صبياً صغيراً حديث السن، ويجب أن يلاقيه شيخ مثله، فهو لديه الخبرة الكافية للخلافة، والمواقف تشهد له، واستقر الرأي في ما بينهم بأن يكون مروان بن الحكم مواجهاً لابن الزبير، ويكون خالد بن يزيد بن معاوية ولياً للعهد من بعده، فبايعه الناس في الجابية.
ثم بعدها ساروا من الجابية إلى مرج رهط، ولم يكن لديهم أي طريقة بأن يأخذوا البيعة لمروان من الضحاك، فحدث قتال بين الطرفين، وقد استفاد الكلبيون من ترك الضحاك لدمشق، فقاموا بالاستيلاء عليها، وأخذوا بيت المال إلى مروان، وأمدوه بالرجال وحصلت مجزرة عظيمة وانتهت بفوز مروان بن الحكم، وهكذا تكون الخلافة له، بعدها ذهب إلى مصر؛ لأن لها أهمية كبيرة بعد الشام، واستطاع طرد عامل ابن الزبير منها وأخذ البيعة من أهلها.


شارك المقالة: