الثقافة وبناء المجتمعات:
تقدم الثقافة على اختلاف معانيها عملية تطوير ونجاح مبهرة لأيّ مجتمع من المجتمعات إلا من خلال سياسة ثقافية متعددة تشمل كافة مجالات الحياة من أمور اجتماعية وثقافية، ولعل أجمل ما يميز الثقافة أنها لا تخضع لعملية حسابية تعتمد على ربح أو خسارة، كذلك عمليات انفتاح ثقافات الشعوب على بعضها البعض سوى دليل على مدى اهتمام وحرص المجتمعات على الدور الذي يلعبه التمازج والتفاعل بين مختلف الثقافات في بناء وتنمية المجتمع والنهوض به.
كذلك يجب معرفة أن الثقافة هي الأسس المستخدمة في إعداد أركان بناء وتنمية المجتمعات، إذ تشكل الركن المعنوي فيها لتشمل كافة الجوانب غير المادية والمتمثلة في القيم والأفكار والتقاليد والموروثات والأذواق وغيرها من الجوانب المختلفة التي يختص بها مجتمع معين عن غيره من المجتمعات، لذلك فإن أي محاولة للفصل بين الثقافة وبناء وتنمية المجتمعات هي محاولة فاشلة.
ولعل أفضل الأمور التي تتأرجح على مدى حاجة المجتمعات إلى الثقافة وهي في طور البناء والتنمية، هو أمر تعدد التعريفات لمفهومي الثقافة والبناء والتنمية وسنكتفي في هذه المساحة بتعريف يبدو أنه أفضل تعريف أُعطي للثقافة وهو التعريف الذي جاء أثناء انعقاد مؤتمر اليونسكو للثقافة عام 1982.
تعتبر الثقافة من أبرز الأمور التي تمنح الإنسان قدرته على التفكير في ذاته ما يجعل منه كائناً يتميز بالإنسانية المتمثلة في القدرة على النقد البناء المعتمد على المعرفة والإدراك والمقرون بالالتزام الأخلاقي، ومن خلال الثقافة نهتدي إلى القيم ونمارس الاختيار وهي وسيلة الإنسان للتعبير والبحث عن مدلولات جديدة.
التعريفات المختلفة لمصطلح الثقافة:
وفي المجال ذاته كان للثقافة مختلف تعريفات ومن أبرزها ما خرج به المؤتمر العالمي للتنمية، الذي انعقد في جنيف عام 1992، كذلك يشير إلى أن التنمية تعني في نفس الوقت كافة عمليات التطور والتغير في حالة قائمة، الاغتناء والانفتاح وأن التنمية لا تقاس فقط بزيادة الإنتاج كماً ونوعاً بل بالتحسُّن الذي يطال جميع نواحي حياة المجتمع، وأعطى المؤتمر تحديداً للتنمية الثقافية فأشار بأنها اغتناء بالثقافة وتقوية لصور التغيير الثقافي وتوفير الفرص المناسبة للإنتاج والإبداع.
الثقافة جزء بسيط من الحضارات المتعددة ما دامت تهتم بما ليس مادياً أو تقنياً كالآداب والفنون والتراث والعادات والتقاليد والأعراف وغير ذلك وفي ذات الوقت للثقافة علاقة تفاعلية مع التنمية والبناء المجتمعي. فالثقافة اليوم جزء أساسي من التنمية الشاملة إذ لا يمكن لأي تخطيط مستقبلي في مجال التنمية أن ينجح في ظل غياب المقاربة الثقافية والتي أصبحت اليوم تسهم بشكل كبير وفعّال للرفع من مستوى الأفراد سياسياً واقتصادياً اجتماعياً وعلمياً وتربوياً.