العلاقة بين الحضارة والثقافة

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين الحضارة والثقافة:

لكل حضارة من الحضارات الثقافية كيانها المستقل والخاص بها، ومع أن العلاقة بين الحضارة والثقافة عميقة ومتبادلة ومتداخلة، فإن بعض المفكرين يعتبرهما كلاً واحداً “الحضارة والثقافة كلاهما يشير الى مجمل أسلوب الحياة لدى شعب ما”.

الحضارة هي عبارة عن ثقافة لكنها على مجال أوسع، وكلاهما يحوي أبرز الأسس والقيم والمؤسسات وأساليب التفكير، التي اعتمدت عليها بعض من الأجيال المتفاوته أهمية أساسية في مجتمع ما، ذلك لأنه ومن ناحية نظرية، فإن لكل من الحضارة والثقافة موقعها ودورها في أسلوب الحياة.

فالحضارة وبالمعنى أعلاه هي وبصورة عامة، المرجع الفكري الرئيسي للثقافة، وبالتالي تلعب دوراً رئيسياً وأساسياً في تشكيلها، ولا يرتبط دور الحضارة في عملية التشكيل هذه بالعناصر الثقافية التي يطورها المجتمع على أساس من مرتكزاتها ومبادئها مع أهمية ذلك وقيمته فقط، بل أن هذا الدور الرئيسي والاساسي يرتبط أولاً، وقبل كل شيء، تكون الحضارة روح الثقافة التي من خلالها تتنفس وتعيش وتنمو وتزدهر.

وهذ الدور أيضاً هو نتاج كحارسها الأمين، وبالتالي يجب معرفة أن الحضارة هي القوة الكبرى المسيطرة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة على التطوير الثقافي بأبعاده، فعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يضاف عنصر ثقافي جديد إلى الثقافات التي تنتمي إلى الحضارة الإسلامية، كالثقافة العربية والثقافة الإيرانية والثقافة التركية، لا يتفق ولا يتسق مع مرتكزات الحضارة الإسلامية الرئيسية ومبادئها الأساسية، وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الثقافات التي تنتمي إلى الحضارة الغربية كالثقافة الإسبانية والثقافة الفرنسية والثقافة الإيطالية.

إذ يجب معرفة أنه لا يمكن إضافة عنصر ثقافي جديد إليها لا يتفق ولا يتجاوب مع مرتكزات الحضارة الرئيسية ومبادئها الأساسية، فالحضارة الإسلامية وعلى سبيل المثال، يحرم على المسلمين أكل لحم الخنزير، ولذلك لا يمكن أن يصبح لحم الخنزير جزءاً من الجانب الثقافي المتعلق بطعامهم، وبالتالي لا يمكن للمسلمين إنشاء مزارع لتربية الخنازير في المجتمعات التي تنتمي إلى الحضارة الاسلامية.

وبالمقابل، فإن الحضارة الغربية تمنع تعدد الزوجات، وبالتالي، فإن مبدأ تعدد الزوجات لا يمكن أن يصبح جزءاً من الثقافة الإسبانية، أو الثقافة الايطالية أو الثقافة الفرنسية، وفي أحيان قليلة نادرة يمكن بطريقة أو بأخرى أن يتسلل عنصر ثقافي جديد إلى الثقافة الأصلية لا يتسق مع الحضارة التي ينتمي المجتمع إليها، لكن اختراق هذا العنصر لهذه الثقافة يظل محصوراً ضمن فئة محددة، وفي الغالب فإنه لا يستمر ولا يدوم طويلاً.

وتأتي اللغة في المكانة الثانية من حيث الأهمية بعد مكانة الحضارة الرأيسية، فيما يتعلق بتشكيل الثقافة واللغة، ومنزلتها على أنها من المكونات الرئيسة والأساسية للثقافة، فإنها أيضاً من المشكلات الأساسية والرئيسة لها، فاللغة هي الفرق الرئيسي بين الثقافات التي تنتمي إلى حضارة واحدة، وهي بالتالي الشكل المميز للثقافة الذي يعطيها شخصيتها الخاصة بها.

ومن أبرز الأمثلة على كيفية العلاقة بين الثقافة والحضارة، جاء أمر الفرق بين الثقافات، ومن أبرز هذه الفروقات هي، الفارق الرئيس بين الثقافة العربية وبين الثقافة الإيرانية، واللتين تنتميان للحضارة الإسلامية هو اللغة، وبعبارة أخرى، فإن الفارق الرئيسي بين الثقافة العربية وبين الثقافة الإيرانية هو الفارق بين اللغة العربية واللغة الفارسية، هذا مع العلم أن هناك مفردات كثيرة جداً بين هاتين اللغتين، وبالمثل، هناك الفارق الرئيسي بين الثقافة الفرنسية وبين الثقافة الاسبانية اللتين تنتميان إلى الحضارة الغربية هو اللغة.

إن الحضارة التي ينتسب أفراد المجتمع إليها، واللغة التي يتداولها الشعوب بالرغم من اختلافها من شعب إلى آخر، هما السببان الرئيسيان والأساسيان لثقافة أبناء المجتمع الرئيسية، أما عن أهداف وأسباب هذه الثقافة ومكوناتها المتعددة، فيحددها في إطار هذين المشكلتين الرئيسيتين، شكل ثالث هو واقع المجتمع بأبعاده التاريخية والجغرافية والديمقراطية والاقتصادية والسياسية.

بعبارة أخرى أكثر معنى وأعظم طريقة لفهم كيفية العلاقة بين الثقافة والحضارة، واقع المجتمع هو المشكلة الثالثة لثقافة المجتمع، كما أن عناصر الثقافة الرئيسية والتي تحددها حضارة المجتمع ولغته تكاد تكون ثابتة ومستقرة لكل مجتمع مستقل، أما العناصر التي يحددها واقع المجتمع فتخضع للتطور وللتلاؤم مع تطور معرفة الإنسان، وما يترتب على تطور هذه المعرفة من أمور معينة.


شارك المقالة: