اقرأ في هذا المقال
العالم دوركايم والمقاربة الموحدة لظواهر الثقافة:
ولد العالم إيمل دوركايم في تصادف عجيب في ذات السنة نفسها التي ولد فيها فرانز بُوا، وكما كان الشأن بالنسبة إلى الأمور ضمن الأنثروبولوجيا الفرنسية، وعلى الرغم من ذلك كان العالم دوركايم يختص في علم الاجتماع أكثر مما كان يختص في علم الإثنولوجيا، فقد كان علم الاجتماع ذو صفة أنثروبولوجية، حيث كان يطمح ويعمل جاهداً إلى فهم العلوم الاجتماعيه في جميع أبعادها.
ساهم دوركايم في مجلة “الحولية الاجتماعية” جاهداً في تأسيس علم الإثنولوجيا الفرنسية، وقد عمل أيضاً على تأمين الاعتراف القومي والعالمي بهذه المجلة، إضافة إلى الإعدادت المتعاقبة التي لا تحصى من المصنفات الإثنولوجية الأجنبية.
استعمال دوركايم لمصطلح الثقافة والحضارة:
العالم دوركايم بذاته لم يكن يستعمل أبداً مفهوم الثقافة، ولقد ترجمت غالباً كلمة “الثقافة” المستعملة على اللسان الأجنبي ب “حضارة” في مجلته “مجلة الحولية الاجتماعية”، لكنه لم يعتمد في استخدامه مفهوم الثقافة إلا في حالات استثنائية، وذلك لم يعني أنه كان يعرض عن الظواهر الثقافية، إذّ كانت الظواهر الاجتماعية بالنسبة إليه تمثل بحد ذاتها بُعد ثقافي باعتبارها ظواهر رمزية أيضاً.
ساهم دور كايم بقوة في تلخيص مفهوم الحضارة مما كان يتضمنه، إلى أبعد الحدود الثقافية من كافة الظواهر الأيدبولوجية، ولقد سعى في “مذكرة حول مفهوم الثقافة“، التي قد ألفها بمعية مارسال موص، ونشرت سنة 1913م، إذّ كان هدفها الأساسي تقديم تصور موضوعي ولا معياري للحضارة، الذي كان يتضمن فكرة تعدد الحضارات، ذلك التعدد دون أيّ إبطال للقول بالوحدة الثقافية.
كان فكر العالم دوركايم مفتقراً إلى الحساسية الكبيرة تجاه النسبية الثقافية، وهذه الحساسية قد أتت من تصوره الشامل للمجتمع، إذّ أنه كان يتناول هذه المسألة مبيناً السوية النسبية بحسب كل مجتمع ووفق مستوى تطوره، حيث كن هدفه الأساسي من هذا التصور الشامل للمجتمع، أن يكون وصفياً خالصاً ومؤسساً على أساس ونمط خاص بكل مجتمع.
انتهى العالم دوركايم في اتساق ذو طابع منطقي مع ذاته، إلى تفضيل استخدامه المرن لمصطلح الحضارة الذي كان يشغله بوصفه مفهوماً ذو هندسة متغيرة، ولقد حرص في “مذكرة حول مفهوم الحضارة” التي قد كتبها مع العالم موص، عمل على تلخيص المصطلحات العمومية للثقافة.