العلاقة النظرية بين العمل والجريمة

اقرأ في هذا المقال


مسألة العلاقة بين العمل والجريمة لها تاريخ طويل في علم الإجرام وتعود إلى الدراسات الأولى للجريمة التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، حيث أكد علم الجريمة التجريبي مرارًا وتكرارًا وجود علاقة عكسية بين التوظيف والجريمة، ويشير البحث الذي عالج مشاكل الاختيار والتغذية الراجعة بطريقة مقنعة إلى الارتباط باعتباره علاقة سببية، ويعتبر عدد من النظريات المتجذرة في اقتصاديات العمل وعلم الإجرام الاجتماعي أنّ العمالة المشروعة والمجزية عامل سببي مهم في منع السلوك الإجرامي، وعلى العكس من ذلك يُعتقد أنّ تؤدي البطالة بالفعل إلى زيادة النشاط أو السلوك الإجرامي.

تفسير نظرية الاختيار لعلاقة العمل بالجريمة

تتجذر نظرية الاختيار الاقتصادي في الفكرة الكلاسيكية الجديدة لتعظيم المنفعة، والتي تفترض أنّ الناس يستجيبون للحوافز ويختارون السلوك من خلال تعظيم الاستفادة من مجموعة ثابتة من التفضيلات مع مراعاة الفرص والقيود الأخرى على مواردهم، وتُختصر نظرية الاختيار الاقتصادي للجريمة بأساسياتها وتهتم بكيفية تخصيص الأفراد المهتمين بأنفسهم وقتهم ومواردهم بين الأنشطة القانونية وغير القانونية عندما تكون العوائد إلى المجموعة الأخيرة من الأنشطة على وجه الخصوص غير مؤكدة.

من الأمور البارزة في هذا التقليد نموذج المنفعة المتوقع، والذي بموجبه يقرر الشخص ارتكاب جريمة عندما تتجاوز العوائد المتوقعة من السلوك غير القانوني، بعد خصم مخاطر العقوبة والعوائد المتوقعة من السلوك الملتزم بالقانون مثل التوظيف، وكل شيء آخر متساوٍ يواجه الأفراد الذين يعانون من البطالة الحالية أو المستقبلية أو الأجور المنخفضة تكاليف أقل لارتكاب الجريمة، وعلى وجه الدقة فإنّهم يعانون من انخفاض تكاليف الفرصة البديلة للانخراط في نشاط غير قانوني وبالتالي يجدون توليد الدخل غير القانوني بديلاً جذابًا وعقلانيًا مقارنة بتوليد الدخل القانوني.

تفسير نظرية الضبط الاجتماعي لعلاقة العمل بالجريمة

تقترح نظرية الضبط الاجتماعي أنّ الارتباط القوي بمؤسسة العمل يشكل مصدرًا فعالًا للسيطرة الاجتماعية غير الرسمية على السلوك الإجرامي، ويشجع هذا الارتباط على مصلحة في الامتثال قوية يمكنها التغلب على إغراء انتهاك القانون، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ الأفراد المرتبطين يخشون تعريض حياتهم المهنية المستقبلية للخطر، ويمكن أن يكون الحصول على وظيفة مستقرة ذات جودة عالية نقطة تحول للأفراد الذين لديهم تاريخ من السلوك الإجرامي لأنّه يعزز رأس المال الاجتماعي أو الاستثمارات في العلاقات المؤسسية التقليدية.

ومن أجل التحكم في النظرية فإنّ الدور الوسيط لرأس المال الاجتماعي يعني أنّ جودة العمل أكثر بروزًا من مجرد وجود العمل؛ لأنّ الوظائف عالية الجودة تعزز الترابط الشخصي الأقوى والاندماج المؤسسي، ونظرية التحكم الاجتماعي صديقة أيضًا لمفهوم: “الأيدي العاطلة هي ورشة الشيطان”، بمعنى أنّ الأفراد العاملين لديهم فرص أقل لارتكاب الجريمة لأنهم مشغولون جدًا بالعمل، وهذه هي فرضية التورط في النظرية وهي: “كثير من الأشخاص يدينون بلا شك بحياة فضيلة لعدم وجود فرصة للقيام بخلاف ذلك”.

إذا كان تخصيص الوقت عبارة عن لعبة محصلتها صفر، فإنّ ساعة أخرى تقضيها في مكان العمل هي ساعة أقل متاحة للنشاط الإجرامي خارج مكان العمل، وفي تطوير حديث لهذه الفكرة اقترح لوب وسمبسون أنّ الارتباط بالعمل لا يقيد فرص ارتكاب الجريمة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى تغييرات أساسية في كيفية قضاء الأفراد أوقات فراغهم خارج العمل، وقد يتغلغل الهيكل المفروض في مكان العمل في البيئات غير المتعلقة بالعمل، وبالتالي يعزز التغييرات في الأنشطة الروتينية التي تغري الأفراد بعيدًا عن الجريمة من خلال توجيههم إلى السلوك التقليدي مع رفاق يحترمون القانون.

تفسير نظرية الإجهاد لعلاقة العمل بالجريمة

تفترض نظرية الإجهاد أنّ عدم النجاح في سوق العمل المشروع يحفز الأفراد على الابتكار بأكثر الطرق ملاءمة أو كفاءة تقنيًا وعادةً من خلال السلوك الإجرامي، وتقوم هذه النظرية على افتراض أنّ الرغبة في الثروة عالمية (وهو هدف معتمد ثقافيًا)، وبالتالي فإنّ منع الوصول إلى الفرص المشروعة للحصول على هذا الهدف القيم يؤدي إلى الغضب أو الإحباط أو اليأس أو أشكال أخرى من التأثير السلبي.

كما أنّ السلوك الإجرامي هو أحد طرق التخفيف من المشاعر السلبية المرتبطة بضغوط البطالة أو العمالة المتدنية الجودة، وهكذا يرتكب العاطلون عن العمل الجريمة كبديل للدخل، حيث أنّ الأفراد العاملون في وظائف منخفضة الأجر أو منخفضة الجودة يرتكبون الجريمة كمكمل دخل.

تفسير نظرية التعلم لعلاقة العمل بالجريمة

وفقًا لمختلف فروع نظرية التعلم يوفر مكان العمل سياقًا للجمعيات التفاضلية مع أصحاب العمل التقليديين وزملاء العمل الذين يقلبون ميزان التعاريف المؤيدة لانتهاك القانون، وهي عملية عامة مقترحة للعمل من خلال النمذجة والتعزيز التفاضلي للقانون والالتزام بالسلوك، والعمل المطرد في وظيفة جيدة يضع الأفراد على مقربة من دائرة اجتماعية تقليدية لعدد غير عادي من الساعات كل أسبوع، وعلى هذا النحو فهم يتعاملون مع زملائهم الذين يتبنون معتقدات اجتماعية إيجابية تجاه القانون، والذين يتصرفون بناءً على هذه المعتقدات، وبالتالي يقدمون قدوة إيجابية ومعززات للسلوك داخل وخارج مكان العمل.

تفسير نظرية ضبط النفس لعلاقة العمل بالجريمة

تفترض نظرية ضبط النفس أنّ الأفراد يصنفون أنفسهم في أوضاع مؤسسية معينة على أساس الميل التفاضلي للنظر في العواقب طويلة المدى لأفعالهم، وهو ما أشار إليه جوتفريدسون وهيرشي بضبط النفس، ونظرًا لأنّ الأفراد ذوي ضبط النفس المنخفض يسعون للإشباع الفوري لرغباتهم بأقل جهد أو تخطيط طويل الأجل، فمن غير المرجح أن يتم توظيفهم أو إذا كانوا موظفين سيواجهون صعوبة في الاحتفاظ بوظيفة ثابتة، حيث أنّ الأشخاص الذين يفتقرون إلى الذات وتميل السيطرة إلى كره الأماكن التي تتطلب الانضباط أو الإشراف أو قيود أخرى على سلوكهم.

يحدث أنّ هذه الصفات الشخصية نفسها تزيد من احتمالية إشباع الرغبات من خلال النشاط الإجرامي، وببساطة البطالة والعمالة منخفضة الأجر والجريمة كلها مظاهر لتعدد استخدامات الأفراد الذين يعانون من ضعف ضبط النفس، وفي المصطلحات الإحصائية يعد ضعف ضبط النفس مصدرًا لعدم التجانس غير الملحوظ والمسؤول عن الارتباط العكسي (أي الزائف) بين التوظيف والجريمة.

فرضيات أساسية تدعم علاقة العمل بالجريمة

توفر جميع النظريات السابقة الدعم لاثنين من الافتراضات الأساسية وهي:

1- أولاً الأفراد العاملون هم أقل عرضة لارتكاب الجريمة في المتوسط ​​مقارنةً بالأفراد غير العاملين، والعاطلين عن العمل أو الذين يعانون من العمالة الناقصة.

2- ثانيًا الأفراد الذين يعملون في وظائف مستقرة وعالية الجودة (على سبيل المثال الوظائف عالية الأجر في القطاع الأولي) هم أقل عرضة لارتكاب الجريمة من نظرائهم في وظائف غير مستقرة ومتدنية الجودة، وتفترض كل من النظريات السابقة -الاختيار الاقتصادي والرقابة الاجتماعية والضغط والإجهاد والتعليم، حيث أنّ الارتباط العكسي بين العمل المربح والجريمة هو علاقة سببية، ومع ذلك وفقًا لتقليد نظري بارز آخر على الأقل فإنّ ارتباط العمل بالجريمة هو علاقة زائفة تمامًا.


شارك المقالة: