العلاقة بين الثقافة والمجتمع

اقرأ في هذا المقال


العلاقة بين الثقافة والمجتمع:

تعدّ ميزة القيم الأخلاقية في كافة المجتمعات الدولية، جزءاً مهم وضروري جداً من الموروث الثقافي الدولي، حيث أن إذّ حدث أيّ تغيير على مصادر ثقافة المجتمع، قد يؤثر سلباً أو إيجاباً في منظومة قيمه العامة، خاصة إنها قيماً غير ثابتة بما فيها قيم الجذر الديني وأحكام محرماتها التي قد تسبغ بعرف اجتماعي أو العكس.

ومع ذلك تفقد استطاعتها وإمكانياتها الاجتماعية بالزمن على الرغم ثبات جذرها الديني، حيث يجري تأويلها وتبديلها على نحو وصورة تخدم الزمن الحاضر أو يجري استبدال وتحويل جذرها الديني إلى جذر ثقافي ليقلل ويخفض حرج الأحكام الدينية في جميع الديانات والأحكام المتشددة لها.

يعود السبب الرئيسي لعدم توازن منظومة المجتمع الأخلاقية، إلى تشابك كافة النواحي الثقافية الناظمة لرابطة العلاقات في المجتمع، مع اختلاف منظومة القيم الدينية وأحكامها، فما تعدّه أحكام دين ما حرام قد يتعارض مع أحكام دين آخر في نفس المجتمع، وبذلك فإن منظومة قيم المجتمع العامة ليست واحدة على نحو عام.

يعتقد العالم “بيخو باريخ” أنه من الشيء النادر الوجود لثقافة لم يقم الدين فيها بتقديم دوراً هاماً في خَلقها واستمرارها، ذلك لأن أزمة الحاضر الأخلاقية سببها ليس تراجع أهمية القيم والمُثل العليا، وإنما الفشل في أساليب الدفاع عنها واستبدال جذرها الديني.

كذلك كافة المعتقدات الدينية على نحو عام، تنتمي وترجع إلى علم الغيب الذي يجهله الإنسان من كافة جوانب أسراره ولا يدركه، لذلك تحتل مساحة كبيرة من عالمه اللاواعي الكامن، ويصعب على العقل الواعي التحقق منها لذلك ينصاع إلى ذاته اللاواعية ويُغيبها عن عقله الواعي على نحو دائم لعجزه تفسير ظواهرها على نحو منطقي.

تجري العادة بقبول كافة المعتقدات الدينية، حيث تكون إما عن طريق الايمان بها على نحو كلي من دون تفكير أو تأويلها لتوافق قيم الحاضر جميعها معاً، وأما ييم استبدال جذرها الديني بجذر ثفافي لتغيب قدسيتها ما يسهل تغييرها على نحو لا يثير مشاعر المؤمنين بها. وفي المقابل فإن قبول الممارسات الحياتية يجري بأساليب عقلانية لفهم الواقع وتطوره على نحو أشمل بعدّ جذرها الأساس ثقافي ليس ثابتاً ولا يقر بالمقدس، يتوائم مع تطور الواقع الاجتماعي وحاجاته.

 أربعة اختلافات بين مختلف الممارسات في الثقافة المجتمعية عند العالم بيخو باريخ:

1- الثقافات هدفها عام وهي ذات روابط قابلة لتعديلات مختلفة، وهدف الممارسات المجتمعية، هي العمل على ضبط السلوك الانساني وتطور العلاقات الاجتماعية بأحكام عقلانية.

2 – يتطلب تحقيق أهداف المعتقدات الثقافية للمجتمع الايمان بها، إذّ أن تفاوت الممارسات يتيح امكانية تحقيقها.

3 – انتماء كافة معتقدات الثقافة المجتمعية إلى عالم الفكر يجعلها تتأثر بالأفكار الجديدة، وانتماء الممارسات إلى عالم السلوك يجعلها تتأثر بالخبرة الحياتية والظروف الاجتماعية.

4 – يعدّ أمر تضامن مختلف المعتقدات الثقافية في كافة المجتمعات المنطقية، دليلاً على عمل فكري يختلف بطبيعته عن تماسك الممارسات على نحو سياق عملي.

إن عمليات استبدال جذور القيم الدينية إلى جذور ثقافية مجتمعية والتمييز بين المعتقدات والممارسات على نحو عام، جميع هذه العمليات لا تخل بمنظومة قيم المجتمع العامة، وإنما تسقط بعضاً من قدسيتها الدينية لتوافق متغيرات الحاضر.

ومن الؤكد أن كافة الآليات الثقافية المجتمعية الرادعة، هي أكثر فعالية للأشخاص الواثقين بها من وسائل المنع الأخرى، لكن إسقاط بعضها لا يعني إطلاقاً إسقاط أساساتها على غير المؤمنين بها، وإنما تأطيرها بأحكام قانونية مدنية تفرض عقوبات على الخارجين عليها خاصة منها القيم الناظمة لشبكة العلاقات العامة بين أفراد المجتمع.

قام العالم بيخو باريخ بوصف العلاقة بين المجتمع والثقافة قائلاً : ” إن أفراد المجتمع تحكمهم علاقات خاصة، تعبر الثقافة عن جوهرها ومبادئها وتنظيمها وشرعيتها، واهتمامهم ينصب على بنية الممارسات وشرعية معتقداتها الثقافية التي تخضعهم إلى نظام صارم يفرض عقوبات الإقصاء وسحب المكانة الاجتماعية والنقد الشديد على الخارجين عليها”.

كذلك يجب معرفة أن كمية تزايد وارتفاع نسبه الوعي الثقافي يعكس على نحو ما حجم موروث القيم الثقافية العامة، وشبكة العلاقات الناظمة لسلوك أفراد المجتمع بغض النظر عن جذرها الديني بعدّ الثقافة وعاءاً يستوعب تاريخ المجتمع وحاضره، ما يتطلب حقن ذهن جيل الحاضر بأرثه الثقافي والحضاري لمنحه مزيداً من الثبات والتماسك والاعتزاز بذاته ومواطنته.


شارك المقالة: