العلوم الاجتماعية التفسيرية

اقرأ في هذا المقال


تشير أحدى الأدبيات في العلوم الاجتماعية إلى أهمية دراسة العلوم الاجتماعية التفسيرية والبحوث التفسيرية وتاريخ ظهور البحث التفسيري والفروق بين البحث التفسيري والبحث الوضعي.

العلوم الاجتماعية التفسيرية

يقدم علماء الاجتماع حالة شاملة للنهج التفسيري أو التأويلي في العلوم الاجتماعية، وتعتبر المناهج التفسيرية مجال نمو رئيسي في العلوم الاجتماعية لأنها تقدم بديلاً كاملاً للسلوكية والمؤسسية والاختيار العقلاني وغيرها من المناهج شبه العلمية التي تهيمن على دراسة السلوك البشري.

بالإضافة إلى تقديم حالة منهجية للتفسير ونقد العلموية، ويقترح علماء الاجتماع أيضًا مفهومًا فريدًا مناهضًا للطبيعة للنهج التفسيري، يشمل هذا الإطار المناهض للطبيعة رؤى الفلاسفة بدءًا من ميشيل فوكو وهانس جورج جادامر إلى تشارلز تايلور ولودفيج فيتجنشتاين، بينما يحل أيضًا المعضلات التي ابتليت بالدفاعات الفلسفية المتنافسة للتفسير.

بالإضافة تعتمد هذه الدراسة على أحدث أبحاث العلوم الاجتماعية لإعطاء علماء الاجتماع العاملين وصفًا تفصيليًا للنهج التفسيري المتميز للطرق والبحث التجريبي وتشكيل المفاهيم والأخلاق والديمقراطية والسياسة العامة، وتقدم هذه الدراسة النهج المناهض للطبيعة في العلوم الاجتماعية التفسيرية ما هو أقل من نقلة نوعية شاملة في دراسة البشر والمجتمع.

ويُلاحظ أن العلوم الاجتماعية السائدة في القرن العشرين كانت دائمًا مجزأة للغاية مع عزلة كبيرة بين التخصصات مثل علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والعديد من جزر النظرية والبحث المنفصلة في كل مجال، ويُقال إنه اليوم تتم مناقشة المزيد من الأسئلة المعرفية الأساسية حول طبيعة العمل البشري أو الحياة الاجتماعية والطريقة الصحيحة لشرحها أو فهمها ولا تزال بدون حل.

وتجادل هذه الدراسة بأنه قد يكون من المفيد على نطاق واسع تصنيف المناهج المتنوعة للعلوم الاجتماعية أو الإنسانية على أنها:

1- تفسيرية.

2- وصفية.

3- نقدية.

4- ما بعد الحداثة بنائية اجتماعية.

5- مناهج تأويلية أو تفسيرية لمثل هذا البحث.

ويتشكل كل تصنيف من خلال مُثله المعرفية والتزاماته القيمية، ويوضح العلماء أن العلوم الاجتماعية التفسيرية أو وجهة النظر التأويلية تقدم وجهة نظر متماسكة نسبيًا للبحث الاجتماعي تساعد في دمج الفضائل وتجنب قيود المناهج الأخرى.

البحث التفسيري

البحث التفسيري أو بشكل أكثر تحديدًا هو بحث الحالة التفسيرية وله أنواع حيث أن الأساليب الإيجابية أو الاستنتاجية مثل التجارب المعملية وأبحاث المسح هي تلك المخصصة تحديدًا للاختبار النظري أو الفرضيات، والأساليب التفسيرية أو الاستقرائية مثل البحث الإجرائي والسيميائية والدلالات والإثنوغرافيا من ناحية أخرى، مخصصة لبناء النظرية.

على عكس الطريقة الوضعية حيث يختبر الباحث الافتراضات النظرية الحالية باستخدام البيانات التجريبية، وفي الأساليب التفسيرية يحاول الباحث استنباط نظرية حول ظاهرة الاهتمام من البيانات الموجودة والمرصودة.

وغالبًا ما يستخدم مصطلح البحث التفسيري بشكل فضفاض ومترادف مع البحث السيميائي والدلالي، على الرغم من اختلاف المفهومين تمامًا، فالبحث التفسيري هو نموذج بحث يقوم على افتراض أن الواقع الاجتماعي ليس فرديًا أو موضوعيًا، بدلاً من ذلك يتم تشكيلها من خلال التجارب البشرية والسياقات الاجتماعية الأنطولوجيا.

وبالتالي من الأفضل دراستها ضمن سياقها الاجتماعي التاريخي من خلال التوفيق بين التفسيرات الذاتية لمختلف المشاركين ونظرية المعرفة، ونظرًا لأن الباحثين التفسيريين ينظرون إلى الواقع الاجتماعي على إنه جزء لا يتجزأ منه وبالتالي من المستحيل تجريده من إعداداتهم الاجتماعية.

فإنهم يفسرون الواقع من خلال عملية صنع المعنى بدلاً من عملية اختبار الفرضية، وهذا على عكس النموذج الوضعي أو الوظيفي الذي يفترض أن الواقع مستقل نسبيًا عن السياق، ويمكن استخراجه من سياقاته، ودراسته بطريقة وظيفية قابلة للتحلل باستخدام تقنيات موضوعية مثل المقاييس الموحدة، يعتمد ما إذا كان يجب على الباحث متابعة البحث التفسيري أو الوضعي على الاعتبارات النموذجية حول طبيعة الظاهرة قيد الدراسة وأفضل طريقة لدراستها.

ومع ذلك يشير البحث النوعي مقابل البحث الكمي إلى الاعتبارات التجريبية أو الموجهة نحو البيانات وحول نوع البيانات المراد جمعها وكيفية تحليلها، ويعتمد البحث النوعي في الغالب على البيانات غير الرقمية، مثل المقابلات والملاحظات، على عكس البحث الكمي الذي يستخدم البيانات الرقمية مثل الدرجات والمقاييس.

ومن ثم فإن البحث النوعي لا يخضع للإجراءات الإحصائية مثل تحليل الانحدار، ولكن يتم ترميزه باستخدام تقنيات مثل تحليل المحتوى الدلالي، وفي بعض الأحيان يتم جدولة البيانات النوعية المشفرة كميًا على شكل تكرار للرموز والعلامات، لكن هذه البيانات لا يتم تحليلها إحصائيًا، ويرفض العديد من الباحثين التفسيريين المتزمتين نهج الترميز هذا باعتباره جهدًا غير مجدٍ للسعي إلى إجماع أو موضوعية في ظاهرة اجتماعية هي في الأساس ذاتية.

وعلى الرغم من أن البحث التفسيري يميل إلى الاعتماد بشكل كبير على البيانات النوعية، إلا أن البيانات الكمية قد تضيف مزيدًا من الدقة وفهمًا أوضح للظاهرة محل الاهتمام من البيانات النوعية، ويجب أن يحاول البحث التفسيري جمع البيانات النوعية والكمية المتعلقة بظاهرة الاهتمام وكذلك ينبغي البحث الوضعي أيضًا.

وقد يؤدي الاستخدام المشترك للبيانات النوعية والكمية التي يطلق عليها غالبًا التصميم المختلط إلى رؤى فريدة، وبالتالي فهي تحظى بتقدير كبير في المجتمع العلمي.

تاريخ ظهور البحث التفسيري

ظهر البحث التفسيري في أوائل القرن التاسع عشر قبل وقت طويل من تطوير التقنيات الوضعية وله جذور في الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس واللغويات والسيميائية، ويرى العديد من الباحثين الوضعيين أن البحث التفسيري خاطئ ومتحيز بالنظر إلى الطبيعة الذاتية لجمع البيانات النوعية وعملية التفسير المستخدمة في مثل هذا البحث.

ومع ذلك منذ سبعينيات القرن الماضي أدى فشل العديد من التقنيات الوضعية في توليد رؤى مثيرة للاهتمام أو معرفة جديدة إلى تجدد الاهتمام بالبحوث التفسيرية وإن كان ذلك باستخدام طرق صارمة ومعايير صارمة لضمان موثوقية وصحة الاستنتاجات التفسيرية.

الفروق بين البحث التفسيري والبحث الوضعي

بالإضافة إلى الاختلافات النموذجية الأساسية في الافتراضات الأنطولوجية والمعرفية التي نوقشت أعلاه، يختلف البحث التفسيري والوضعي في عدة طرق أخرى:

أولاً، يستخدم البحث التفسيري عينة نظرية الاستراتيجية، حيث يتم اختيار مواقع الدراسة أو المستجيبين أو الحالات بناءً على الاعتبارات النظرية مثل ما إذا كانت تناسب الظاهرة قيد الدراسة على سبيل المثال، لا يمكن دراسة الممارسات المستدامة إلا في المنظمات التي نفذت ممارسات مستدامة، سواء كانت تمتلك خصائص معينة تجعلهم مناسبون بشكل فريد للدراسة.

على سبيل المثال يجب أن تتضمن دراسة دوافع ابتكارات الشركات بعض الشركات عالية المبتكرين والبعض الآخر منخفض المبتكرين من أجل رسم التباين بين هذه الشركات وما إلى ذلك، وفي المقابل يستخدم البحث الوضعي أخذ عينات عشوائية أو أحد أشكال هذه التقنية حيث يتم اختيار الحالات عشوائيًا من مجموعة سكانية بغرض التعميم، ومن ثم تعتبر العينات الملائمة والعينات الصغيرة مقبولة في البحث التفسري طالما أنها تتناسب مع طبيعة الدراسة والغرض منها ولكن ليس في البحث الوضعي.

ثانيًا، يحظى دور الباحث باهتمام نقدي في البحث التفسيري، في بعض الأساليب مثل الإثنوغرافيا والبحث الإجرائي ومراقبة المشاركين، ويعتبر الباحث جزءًا من الظاهرة الاجتماعية، ويجب توضيح دورهم ومشاركتهم في عملية البحث أثناء تحليل البيانات.

وفي طرق أخرى مثل بحث الحالة، يجب على الباحث اتخاذ موقف محايد أو غير متحيز أثناء عمليات جمع البيانات وتحليلها، والتأكد من أن تحيزاتهم الشخصية أو تصوراتهم المسبقة لا تلوث طبيعة الاستنتاجات الشخصية المستمدة من البحث التفسري، ومع ذلك في البحث الوضعي يُنظر إلى الباحث على إنه خارجي ومستقل عن سياق البحث، ولا يُفترض أن يكون متحيزًا في جمع البيانات والإجراءات التحليلية.

المصدر: السيميولوجيا والسرد الأدبي، صالح مفقود، 2000ما هي السيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، 1994الاتجاه السيميولوجي، عصام خلف كاملسيمياء العنوان، بسام قطوس، 2001


شارك المقالة: