القيم والعادات بين الماضي والحاضر:
جميعنا نشتاق ونحنّ إلى الزمان الماضي، حيث كان أجدادنا القدماء يتمسكون بشكل كبير جداً بالكثير من الخصال والصفات الحميدة والقيم الجميلة، كالترابط الأسري والاجتماعي والتراحم والتعاون والكرم، ويحرصون على التعارف والتواصل من خلال اللقاءات والزيارات المتصفة بالبساطة وعدم الكلفة بين الأقارب والمعارف والجيران.
كما كانوا يحرصون على الحضور والمشاركة في كافة مناسبات بعضهم البعض، والعمل على تعاونهم في جميع الأمور الحياتية، مما يخيل إلينا أن مجتمع القرية أو الحي الواحد من المدينة بمثابة أسرة واحدة تعيش بروح الألفة والمحبة.
ومن الأمر المؤكد أن الكثير منا يتذكر شيئاً من العادات والقيم الجميلة التي كان المجتمع يقوم بها ويرعاها، وتدل على قوة العلاقات، ومنها ما يلجأ إليه المسافر حين عزمه على السفر من بلدته إلى بلدة أخرى فنراه يقوم بالبحث عن أحد أقاربه أو معارفه ليقيم عنده فترة وجوده في تلك البلدة طالت تلك المدة ام قصرت، ويلقى من قريبه أو صديقه كل التكريم والترحيب.
وكذلك من أبرز العادات أيضاً فيما اشتهر فيها الناس، العمل على تقديم الإعانة والمساعدة المالية والمعنوية للأشخاص المقبلين على الزواج كل حسب مقدرته المالية، حيث تكون هذه المساعدة أمراً بسيطاً يستعين به المتزوج على أمور ومتطلبات الزواج، وأيضا القيام بتكريم الأبناء والبنات المتزوجين حديثاً من قبل الأقارب والمعارف، حيث يقومون بعمل الولائم ودعوة أقارب العروسين والجيران احتفاءً وابتهاجاً بهذه المناسبة السعيدة.
ومن أبرز التقاليد أيضاً قيام الأفراد بتكريم الشخص العائد من السفر من أبناء البلدة، أو الضيف القادم من بلاد الغربة، فالكل يظهر رغبته في إكرامه، فنرى أن مناسبة التكريم تنتقل من منزل إلى منزل، وتجمع الأحبة والمعارف في مظهر ومجلس جميل.
كما أن من أبرز العادات الجميله لديهم، العمل على استقبال الناس لشهر رمضان المبارك بالفرح والابتهاج، مع حرصهم على المزيد من علاقات التواصل والزيارات وصلة الأرحام والقربى، وتفقد أحوال بعضهم والقيام بسد حاجات المحتاجين والمعوزين.
في الزمن الماضي لقد رأينا جميعاً قيام كافة العائلات بالسكن في منزل واحد بجميع أفرادها، وذلك أيضاً حتى بعد زواج الأبناء؛ ذلك لحرص الجميع على الالتئام والقرب من بعضهم البعض من أجل تيسير كافة أمور حياتهم.
وفيما يخص تقاليد الصغار فإن لهم مكانة ومشاركة فعالة، ففي بعض المناسبات كالأعياد نجدهم يبرزون مشاعرهم بالتعبير عن ذلك، من خلال بقيامهم بالتجمع بلباس العيد ذات الألوان الزاهية، وقيامهم بالذهاب لزيارة جميع منازل الحي للمباركة وأخذ هدية العيد التي اعتادوا عليها.
كما أنه إذا أمعنا النظر في أسباب التناقضات التي قد حدثت بسبب الاختلاف بين العادات والتقاليد الماضية والحاضرة، في حياة الأشخاص وفي اسلوب تعاملهم مع بعضهم وتغير بعض السلوكيات والتعاملات، نجد أن من أبرز هذه الأسباب التغير المفاجئ للوضع المادي في البلاد، وارتفاع الدخل بسبب التناقضات الاقتصادية، وتحسن حالات الناس المالية والمعيشية مما جعل البعض يشعر نفسه بالاستقلالية وعدم حاجته للآخرين، على عكس ما اعتاد عليه بالسابق من ضرورة ارتباطه بهم لإنجاز الكثير من أمور الحياة.
كذلك نجد أن من من أبرز المؤثرات المخالطة للمجتمع التي تكون بأعداد كبيرة من الأشخاص الوافدين من أعراق وجنسيات مختلفة ومتنوعة، بالإضافة إلى ما جرته التقاليد المدنية الحديثة من تقدم مدني وتقني وثورة في المعلومات والاتصالات، إضافة إلى وجود الفضائيات، جميع ذلك قد أدى إلى حدوث تغيرات كبيرة في حياة الناس وتعاملاتهم، إضافة إلى التأثير على العادات والتقاليد والقيم وضعف الترابط الأسري والاجتماعي، فلم يعد أحد يسأل عن الآخر إلا عبر وسائل الاتصال الحديثة، كأجهزة الهاتف وبرامج التواصل الاجتماعي.
كما أصبح هناك فتور في العلاقات الاجتماعية، وأصبحت مظاهر الصدود ماثلة وبارزة، فلم يعد الأخ يرى أخاه والقريب يرى قريبه والجار يعرف جاره إلا في مناسبات متباعدة أو كبيرة كمناسبات الأفراح والأتراح، كما أصبح البعض لا يستقبل الاخرين في منزله على عكس ما كان الوضع عليه في الماضي.
وفي زماننا هذا نرى الإنسان إذا سأله أحدهم عن أسباب تغير العادات والقيم، يجب عليه بأن يجيب بأن ذلك من صنع الزمن أو أن الزمن قد تغير فهل حقاً أن هذا القول صحيح وهل للزمن علاقة بتغير القيم و العادات أم لا؟ وسبق أن أجاب الشاعر عن ذلك بقوله: نعيب زماننا والعيب فينا … وما لزماننا عيب سوانا.