المحددات الاجتماعية لمعنى الثقافة:
الثّقافة كمفهوم لفعل معرفي ضمن المحددات الاجتماعية، هي عبارة عن تبادل محدد، وهي عبارة عن موضوع يُفكر فيه، وفي العلوم الاجتماعية، هناك حقيقة أساسيّة، وهي أنّ المجتمع البشري، متمكمن الوجود فقط بفضل الثّقافة، فالسّلوك الاجتماعي بجوهره منمط ثقافياً، والثّقافة مرهونة بوجود إنسان اجتماعي، وإذا كان لا إنسان بلا تاريخ، فإنّه أيضاً لا ثقافة بلا إنسان.
جاء في نظرية المحددات الاجتماعية للثّقافة، أنّ الثّقافة تنتقل من شخص إلى آخر من خلال التعامل المتبادل، إذّ يكون ذلك بمثابة أنّ الإنسان يأخذ عنصر الثّقافة منذ ولادته، فالثّقافة لا تنتقل بالوراثة، لكنها تتكون من خلال التنشئة الاجتماعية، أو الانتشار، أو التثاقف أو التماثل والاستيعاب، ولا يدخل فيها السلوك الفطري والأفعال المنعكسة، ومع ذلك لا يمنع أن تكون بعض النظم الثقافية قد أوجدها الإنسان لإشباع حاجاته الفطرية، كنظام جمع الطعام أو الصيد أو الزراعة.
الثقافة أيضاً يكتسبها الأفراد عن طريق التعلم، لذلك يمكن تطويرها كلما تطورت قوانين التعلم وتقنياته المتقدمة، وبفضل تبادل اللغة يستطيع كل جيل أن ينقل خبراته بطريقة رمزية إلى الجيل المخالط، ذلك أن الثّقافة تتعلق بما يظهره الناس بشكل عام، وبما يعززونه بانتظام، إذ تكون هناك مكافأة على فعل ما هو صحيح، وغرامة على عدم فعله، وكذلك التعاملات ذات المعنى الّتي تجري بين البشر، الّذين يتشاركون في العناصر الذاتية والرمزية، لما يشكل الثقافات.
ومن المهم معرفته أن التعليم والتبادل الثقافي لا يتم بالضرورة عن طريق الوعي، إذ أنه يحدث عندما يمرر الأفراد، عبر أدوارهم المؤسساتية، معتقدات وسلوكيات، مقرة ثقافياً، للآخرين، ومن خلال تلك الخبرات، تعد الثّقافة الناس لكي يفهموا العالم ويفسروه، وأن يتصرفوا بصورة فعّالة فيه.
الآليات المتعددة الّتي تسمح بانتقال الثّقافة بين الأفراد، ظهرت إلى الوجود على مدى مسيرة التطور البشري منذ المطلع الأول، والحقيقة أن كافة البشر قادرون على تجميع مواردهم المعرفية على نحو لا تستطيعه أنواع الحيوانات الأخرى، عن طريق المحاكاة، والتعليم التلقيني والتعليم التعاوني.
إن عملية الفهم المتبادل بين الأفراد باعتبارهم كائنات لها نواياها وقصد شأنها هو شأن الذات، هو فهم محوري وحاسم بالنسبة للتعلم الثقافي البشري، ذلك لأن المصنوعات الفنية الثقافية والممارسات الاجتماعية، الّتي تتمثل على نحو نمطي في استخدام الأدوات والرموز اللغوية.