اقرأ في هذا المقال
إن تأمل التاريخي للمداخل الثقافية بشأن مفاهيم الصحة والمرض توضح كيف أن الأسباب العامة والمعالجات الشعبية للمرض وما تتضمنه من افتراض في تلبس الأرواح وسط الشعوب الأولية، والاعتقاد في الوساطة الروحية والانسجام بين الطقوس والطرق الطبية في التطبيب والمعالجة والارتباط بين المرضى والقوى فوق الطبيعة، قد استحوذت على اهتمام الأنثروبولوجين منذ النشأة الأولى لعلم الأنثروبولوجيا.
المداخل الثقافية لدراسة المرض في علم الاجتماع الطبي
كانت هذه الأفكار الكلاسيكية المكرة والمتوارثة من ثقافات كثيرة تستند على استحضار أرواح القوى فوق الطبيعية أو أرواح قرناء السوء أو أرواح الجيران، تبدو كأفكار غريبة بالنسبة لمسببات المرض وأساليب التشخيص، كما أعجب المواطنين في ذلك الفترة بروايات توظيف واستخدام العرافين والمختصين في السحر المضاد للكشف عن مسببات المرض، وذلك قبل أن تتغير معتقداتهم الشخصية عن الصحة والمرض بصورة جذرية بسبب الثورات العلمية والصناعية.
كما كان البعد المعروف في الثقافة الأنثروبولوجية هو البحث في نشأة ومصادر المكونات الثقافية للنظم الطبية، واعتبرت الأفكار والسلوكيات المتصلة بالمرض والعلاج جانباً مهماً من هذه الثقافة بعد ذلك، وتمثلت محاولات تجديد عمليات التكوّن الثقافي دراسة للأدوات والممتلكات الشخصية الأخرى التي يستخدمها المعالجون.
ومن بعض المحاولات حاول بعض الباحثين رسم وتحليل وتوزيع الخصائص الثقافية المتعلقة بالصحة والسيطرة على المرض، وانتهى فيها إلى تعين خمسة أسباب أساسية للمرض في العالم غير الصناعي وهي، السحرة والشعوذة، انتهاك المحرمات، اجتياح روح داخل المريض، زوال الروح، اجتياح شيء بسبب المرض،وأنه من الممكن أن يتصف المجتمع بالمرض الذي ينجم عن سبب يكون متوارثاً فيه بصورة واضحة مثل، إقحام روح داخل المريض أو مجتمع فقدان الروح.
حيث تعرضت هذه المحاولة للنقد الصريح من قبل الباحثين الذين كانوا أكثر التزاماً بمدخل علماء التكوّن الثقافي الذي قدمته في عملها أنماط الثقافة، حيث أكدت الدراسة على أن مدخل علماء التكوّن الثقافي قد وضع الطب في سياقه الثقافي موضحاً المزاولات التي لا تعد من أشكال الطب، ولكنها تقوم بدور الطب في حياة القبيلة أو الناس، وكذلك الروح التي تتخلل هذه المزاولات والطريقة التي يندمج فيه الطب مع الخصائص الأخرى للمجالات المتنوعة من الخبرة.
أهمية الثقافة في مجالي الصحة والمرض
وللثقافة أيضاً أهميتها الكبيرة في مجالي الصحة والمرض عن طريق تأثيرها في نمط انتشار المرض بين المواطنين وطريقة توضيح المرض ومعرفة مسبباته، وبالتالي تظهر تباينات واضحة عبر الثقافات في التعرف على المرض وكيفية علاجه، فالمدخل الثقافي يتناول الارتباطات بين مضمون الثقافة والأساليب الثقافية للحياة وبين تعريفات الصحة والاستجابة للمرض، كما يلعب السياق الثقافي دوره هو الآخر في تعين الحالات والظروف المرضية التي يعيها الشخص والأسباب التي تعزى إليها والأفراد المسؤولين عن تقييمها وتعريفها.