مشاكل تعلقت بالتعليم في عهد الملك سعود:
منذ اختيار الملك سعود لتولي منصب الوزير للأمير فهد فقد كان ذلك اختياراً صائباً من جميع النواحي، حيث استطاع الأمير فهد في مدة قليلة من تطوير البلاد بالشكل العلمي المتطور، بدأت المملكة أول مراحل التطور والنمو الواضح والسريع. ولقد تسلم الأمير فهد مهمة مليئة بالصعوبات، فلا تخلو معتمدية للمعارف أو أي مدرسة من المشاكل المعقدة والصعبة، فتوجه الأمير فهد مع مجموعة من أعضاء وزارته، لحل معظم تلك المشاكل والتخلص منها.
فكان الأمير فهد يقول لموظفيه: كل موظف في وزارة المعارف هو الوزير، له وعليه مسؤولية الوزير في حدود عمله ومجاله، لذلك يجب أن يعمل بكل طاقته، وأن يخلص لهذا الجيل الصاعد من أبناء وطنه. فقد واجهة الوزارة المعارف منذ نشأتها صِعاب وعقبات كبيرة، عند رغبتها في تنفيذ مهامها، فالمملكة بلد واسع، تعد من حيث المساحة من الدول الكبيرة، وهذه المساحة الواسعة التي كانت تتضمنها الدولة السعودية، واجهت وزارة المعارف من خلالها مشكلة أخرى وهي إيجاد جهاز إداري يتمكن أن يغطي هذه المساحة الكاملة، من أجل تحقيق متطلبات التعلم.
وبسبب تلك الصعوبات أصبحت الدولة تواجه مشاكل كثيرة تشعبت من هذه المشكلة الكبرى منها ربط هذه المناطق التعليمية ذات المساحة الصغيرة من قرى وغيرها بعضها ببعض لصعوبة المواصلات والاتصالات، ونتج عن ذلك التكاليف كبيرة التي تصرفها الدولة من أجل الوصول إلى تلك المناطق، ومن أجل إرسال التعليمات والوسائل العلمية وجميع خدماتها وأنشطتها.
بالإضافة إلى صعوبة المواصلات فلم يتحدد الأمر على ذلك فقط بل إنها كانت مشكلة أمام الطالب والمدرس، من حيث عدم تتوافر وسائل النقل لهم كما في الوقت الحاضر، إلا من كان يمتلك البهائم، فكانوا يسيرون لمدارسهم على أقدامهم في معظم الوقت، وكانت السيارات آنذاك نادرة الوجود، إلا في الأسر ذات الوضع المادي الجيد القادرة على امتلاك السيارات، أو عن طريق سيارات الأجرة، ولذلك كان بعض الطلاب يأتون للدراسة من القرى والأرياف ويتخذون من المسجد مكاناً لهم أو من الشارع أو من الأقرباء المتواجدون في تلك البلدة إذا وجدوا، فكانت المواصلات متعبة وشاقة، ولكن الرغبة في العلم تجعل الطلاب يتحملون هذه المتاعب في سبيل التحصيل والعلم.
أما بالنسبة للسكان فيها فهم منتشرون بناءً على الظروف الجغرافية والمعيشية، حيث تتضمن الحضر والبدو، وكذلك فرق من القبائل الرحل، مما يجعل إقامة المدارس في أماكن عديدة وفق القدرة المالية للمملكة لا يناسب إلا أعداد قليلة، ومن ثم يُجبر على إقامة الكثير من المدارس على رغم أن المدرسة الواحدة لا تحتوي أكثر من عشرة طلاب، وهذا فيه صرف واستنزاف للميزانية وما خطط عليها.
وأيضاً يوجد هناك مشكلة أُخرى وهي نقص المعلمين المختصين من التربية والتعليم، الذين كانوا قليلي العدد، ولم يكن في المملكة العدد الكافي من المدرسين المهرة لدرجة أنّ مدير المدرسة قد يقوم في عملية التدريس إضافة لأعماله الإدارية. إلى جانب بعض المشكلات التي قد تأتي من بعض هؤلاء المتعاقدين، إما ببعض التصرفات الغريبة على المجتمع، أو تخوف الناس من نشر أفكار وعقائد لا تتناسب مع عقائد الإسلام والدين.
أو قد يرفض بعض المدرسيين الوطنين التوجه للتدريس في المناطق النائية؛ لصعوبة الأمر عليهم وعلى عائلتهم، وكان من الحلول التي لجأت إليها الوزارة لحل هذه المشكلة هو تشجيع وإغراء هؤلاء المعلمين في العديد من الأمور منها قيامها في تكفل جميع مصاريفهم وكذلك مصاريف مغادرتهم إلى مناطقهم في العطلة الصيفية، وأيضاً الاستعانة بكل من يُجيد القراءة والكتابة من أهل البلاد بغض النظر عن المؤهل العلمي الذي يمتلكه، ولجأت بالإضافة إلى ذلك قيامها بالاستعانة ببعض الدول المجاورة ممن يحملون شهادة الثانوية وما في مستواها سواء كانت لديهم خبرة أم لا.
وقد قامت الوزارة في ذلك الوقت إلى اللجوء لحل آخر وهو تأهيل المعلم الوطني لمواجهة تلك المشاكل والنقص الكبير، فاستطاعت التغلب على المشكلة نسبية من خلال اختيار مجموعة من طلبة العلم المثقفين للتعليم في المدارس، وفي عام 1382/ 1962 ميلادي عينت الوزارة المتخرجين من الجامعات والكليات بالمرتبة الرابعة بمبلغ مالي يصرف لهم شهرياً مقداره 1200 ر.س وذلك من أجل تشجيع وتحفيز المدرس الوطني الجامعي.
ثم قامت في توسيع العمل في مشاريع فتح المعاهد والكليات للمعلمين وكذلك فتح المدارس الليلية والتدريب الصيفي، ثم افتتحت المعاهد التكميلية، ثم قامت في زيادة رواتب المعلمين الذي كان لهم دوراً كبيراً في جذب اهتمام الخريجين لهذه المهنة العظيمة، وكان من نتيجة ذلك ارتفاع معدل الاكتفاء الذاتي من المعلمين الوطنيين في مراحل التعليم العام إلى درجات عالية جداً وفي فترة زمنية قليلة.
بالإضافة إلى مشكلات المعلم التي واجهتها المملكة السعودية كذلك واجهت الدولة مشكلة الكتب المدرسية التي كانت تطلب من الدول الخارجية والمجاورة، وكانت غير موافقة للبيئة السعودية، بالإضافة إلى تأخر وصولها إلى البلاد في الوقت المناسب، وعندما تصل إلى المملكة تكون بكميات قليلة لا تكفي بأعداد الطلاب، وهذا يضطر المعلم إلى قيامه في اشراك طالبين أو ثلاثة في الكتاب الواحد.
وبجهود المملكةالمبذولة أصبح الكتاب المدرسي سعودي الصبغة من حيث التأليف والمحتوى والبيئة، وشجعت المؤلفين على تأليف المزيد من الكتب المدرسية. أما الأدوات المدرسية فلم تكن من صناعة المملكة الداخلية، فكان لا بد أن تواجه وزارة المعارف مشكلة أخرى، فبدأت الدولة في طلب الوسائل المدرسية من الدول الخارجية بما في ذلك اللوح الأسود والطباشير وغيرها من الوسائل.
مشكلة المباني المدرسية:
لقد واجهت الوزارة مشكلة في عملية إيجاد المدارس المناسبة للعملية التعليمية، فحاولت الدولة مواجهتها بحلول مؤقتة، حيث عمدت إلى استخدام المنازل العادية واستئجارها من أصحابها لتكون مباني مدرسية، بالرغم من خلوها من الشروط المناسبة بها لكونها مبنی تعليمي مهم، فقد كانت تفتقر إلى المجالات والغرف الدراسية الصحية والساحات والملاعب والمقاصف والمكتبات.
وإنّ تلك الوسائل إذا وجدت في المملكة من قبل فقد كانت بطرق بدائية، ففي الشتاء يعاني الطالب متاعب البرد، وفي الصيف متاعب الحر، بحيث لا تحتوي على مدافئ ولا تبريد وماء شرب غير متوافر بشكل جيد وصحي، بالإضافة إلى الأجور العالية لبعضها التي لا يستحقها لسوء المبنى.
بالإضافة إلى المشكلات التي تحملتها الوزارة من أصحاب مباني المدرسة، مثل عدم قيامهم بالتعديلات المطلوبة أو ترميمها، أو الاختلاف حول بعض الشروط وغيرها. أما في القرى والهجر فقد كانت أكثر سوء حيث كان ينقص أغلبها الماءوالكهرباء وصعوبة في المواصلات وغيرها من الخدمات.
ولم يتحصر الأمر على المباني الخاصة بالمدرسة بل إنّ الدولة واجهت مشكلة أخرى خاصة بمكان سكن المعلمين المتعاقدين أو الذين تم طَلبهم من الدول المجاورة الأخرى فكان من واجب الوزارة أن تبحث لهم عن أماكن سكنية تليق بهم، وفي ذلك زيادة إضافية في الإنفاق.