المشكلات المالية والتغير الاجتماعي في مجال الشيخوخة

اقرأ في هذا المقال


تعتبر المشكلات المالية من المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المسنون في الوقت الحاضر، وخاصة في الدول المتقدمة، والدول الآخذة بأسباب التقدم، هي هيمنة النظرة الاقتصادية على المشروع الاجتماعي، فالنظرة إلى الربحية أو مقاضاة الأمور من مبدأ الربح والخسارة تجعل كثيراً من الدول تتردد في تنفيذ المشروعات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالمسنين.

المشكلات المالية في مجال الشيخوخة

يعاني المسنون حتى في أكثر المجتمعات غنى، وأكثرها تقدماً من الفقر، فقراً يهدد رفاههم وحياتهم، ويجعلهم عاجزين عن توفير ضرورات الحياة، ففي بعض المجتمعات بلغ عدد المسنين الذين يعيشون تحت خط الفقر الرسمي في عام 1987م 6300000 مسن وفي عام 1990م بلغت نسب المسنين الذين يعيشون تحت خط الفقر الرسمي 12%.

يعود تردي دخول المسنين إلى عدة عوامل أهمها، أن معظم المسنين لم يكن لهم عمل رسمي، فبمجرد أن تركوا الأعمال التي كانوا يقومون بها، فقدوا الدخل الذي كانوا يتقاضونه منه، ثانياً أن معظم المتقاعدين من وظائف رسمية تقاعدوا في وقت كانت الرواتب منخفضة.

وبالتالي معاشات التقاعد، ومع الرواتب زادت إلى حد كبير إلا أن معاشات التقاعد لم تتغير إذا استثنينا زيادات يسيرة لا تغني ولا تشبع من جوع، ثالثاً أن نسبة كبيرة من المتقاعدين لم يعملوا في وظائف رسمية إلا في سن متأخرة، وبالتالي أثر ذلك على حجم ما يتقاضونه من معاش تقاعدي، رابعاً أن الزيادات في الرواتب أو في معاشات التقاعد لا تأخذ في الاعتبار زيادة الكبيرة في غلاء المعيشة.

أهمية الحالة الاقتصادية في حياة المسن

يعتقد البعض أن حاجات المسنين أقل من الفئات العمرية الأخرى وعلى هذا الأساس لا يحتاجون الكثير من المال، أو أن القليل من المال يمكن أن يسد حاجاتهم، وهذه المقولة مغلوطة جانب الحقيقة والواقع، بل أن المجرمين الذين جعلوا من المسنين ضحايا لجرائمهم عادة ما يجعلون مثل هذه المقولة مبرراً لارتكاب جرائمهم.

المسنون في حاجة إلى المال لتلبية حاجاتهم الملحة، ففي مرحلة الشيخوخة تكثر الأمراض، ويصبح المسن في حاجة أكبر لزيارة الطبيب، ومع كل زيارة للطبيب هناك قائمة من الأدوية، وهناك أدوية يحتاجها بشكل يومي بعض المسنين المصابين ببعض الأمراض مثل مرض السكري وضغط الدم وغيره من الأمراض التي تحتاج إلى أخذ الأدوية بشكل دائم، ومع كثرة العلل يحتاج المسن إلى دخول المستشفى الذي يكلف الكثير من المال.

وفي مرحلة الشيخوخة أيضاً تكثر الحاجة إلى الأجهزة الطبية التي تكلف الكثير من المال، وإذا عزّ الأبن البار احتاج المسن إلى من يقوم بقضاء حوائجه، ويساعده في تصريف أموره، وإذا أناخت الشيخوخة على الظهر، وأصبح المسن عاجزاً، لزمه جزئياً أو كلياً المأكل والملبس والنظافة الشخصية.

وكل هذه الأمور وهذه الحاجات تحتاج إلى المال في عمر لا يستطيع الفرد فيه الكسب، وللأمن المالي للمسن جوانب أخرى مهمة فعدم شعوره بالأمن المالي يثير مخاوفه ويجعله معرضاً للهواجس والقلق والتي لا شك تنعكس على سلامته العقلية النفسية والصحية.

التغير الاجتماعي في مجال الشيخوخة

التغير في المجتمعات المعاصرة تغير سريع وعاصف خلال جميع أسس الحياة الاجتماعية والمادية والخلقية والروحية والنفسية، والأسرية والثقافية، التغير الذي تشهده المجتمعات المعاصرة تغير لم تشهده المجتمعات القديمة سواء في سرعته أو عمقه، أو قدرته على اقتلاع الكثير من الثوابت والمسلمات، وهناك من يسمي هذا العصر عصر السرعة.

وهناك من يسميه عصر الفضاء، وهناك من يسميه عصر المعلومات، وهناك من يسميه عصر العولمة، وهناك من يسميه عصر الانحطاط الخلقي والتفسخ، ولكنه في الحقيقة يحمل كل هذه السمات، وكل هذه المسميات الخيارات أمام المسنين في مواجهة هذا التغير، إما الاستسلام له أو مواجهته، إما قبوله أو رفضه.

المسنون الذين يتصفون عادة بالمحافظة لا يقبلون بهذا التغير بسهولة، وإنما التعايش معه لعدم قدرتهم على مواجهته، التغير في المجتمعات الحديثة همش الماضي بما فيه المسنون، فمن ناحية اقتصادية لم يعد المسنون هم أرباب الأسر الممتدة الذين يتحكمون في ملكية الأسرة، وبالتالي في أفرادها، مما يشد أفراد الأسرة أبناءً وأحفاداً بمصير واحد.

اليوم أصبح الأبناء أكثر قدرة على الحراك، وأكثر حرية في الاختيار، ولم يعد مصيره المهني مرتبطاً بأسرته، ولم يعد المسنون هم من يملكون الحكمة والمعرفة، ويوردون الأخبار، ويروون الحكايات، حيث حلت محلهم وسائل الاتصالات والمعلومات، التي قربت المسافات وجعلت من العالم قرية صغيرة.


شارك المقالة: