المقاييس الذاتية والموضوعية للثقافة

اقرأ في هذا المقال


المقاييس الذاتية والموضوعية للثقافة:

المقاييس هي مفاهيم أيضاً، فلا بد لها من اتفاق جماعي كي تؤدي عملها، وهي أكثر ما تكون بارزة وجلية كمقاييس مادية، فالكيلو غرام مثلاً هو مقياس للوزن متفق على مقداره وأجزائه ومضاعفاته وتقاس به الأوزان دون اعتراض من أحد في العالم كله، ولكن ماذا عن المفاهيم هل لها مقياس؟ هل يوجد مقياس للثقافة مثلاً أو الإبداع أو الجمال أو الحب أو الوطنية أو الحياد أو الأمانة أو الصداقة.

قد تكون الإجابة لهذا السؤال نعم، ولكن عندما تدخل بتعمق في الموضوع الشائك هذا تجد أن المقاييس متعددة بتعداد البشر، بل إن الشخص الواحد لديه مقاييس متغيرة باختلاف مراحل عمره وتجربته الحياتية وتنقله الجغرافي إن حصل.

أما المقياس الذي يعمل به من مجموعة أفراد تجده غير بارز المعالم وليس له تعريف، وعندما تهم بالدخول في التفاصيل تصطدم بتصورات متباينة عند كل فرد من تلك المجموعة لذات المقياس.

بما أن معنى المقياس عندما يصبح مهماً عندما يتحول إلى أداة للتواصل بين البشر، وبما أنّ البشر ليسوا فئة واحدة، إنما يوجد فقراء وأغنياء وطبقة وسطى وأخرى طفيلية ورابعة بائسة “بطالة”، تتبلور عدة تفسيرات للمقياس الواحد يتناسب مع غايات تلك الفئات.

لو أخذنا مفهوم الصداقة، كمقياس للعلاقة بين الأفراد، نكتشف أنّ للفقراء مفهومهم الخاص بهم، وهو مساعدة بعضهم بعضاً في الشدائد، أي إنقاذ الصديق عندما يتعرّض لخطر ما بسبب عوزه، ومن هذا التصور بالذات انبثقت مفاهيم أخرى كالفزعة والمروءة والشهامة وغير ذلك.

ومصطلح الأغنياء للصداقة فيما يختص بهم هو المصلحة، حيث يولم أحدهم للآخر ليس من أجل إشباعه، إنما لعقد صفقة ما معه، أما الفئات الوسطية فهي تستخدم أحد المفهومين عند الحاجة، وقد تجد مضامين أخرى لا تنطبق على المفهومين المذكورين، ولكنها فردية وغير دائمة وغالباً ما تكون محصورة بين عدد قليل من الأشخاص.

المعنى الموضوعي والذاتي للثقافة:

إذا دخل هذا المقياس “المصطلح” كمحور في الصراع الاجتماعي، يصبح مكوناً من عنصرين: أحدهما فردي أو شخصي ويسمّى “ذاتي”، والآخر جماعي أو اجتماعي ويسمّى “موضوعي” وهما ليسا منفصلين عن بعضهما البعض، بل يتفاعل كلٌ منهما مع الآخر بصورة مستمرة وتطورية، فالذاتي يضيف للموضوعي ويعمق محتواه، كما أنّ الموضوعي يقوم الذاتي ويلزمه بمواصفات تكون قاسماً مشتركاً بينه وبين الآخرين.


شارك المقالة: