المنهجية السوسيولوجية عند بيير بورديو في علم الاجتماع:
يتخذ بيير بورديو في أبحاثه في علم الاجتماع، المقاربة الماركسية ذات الأصل الجدلي، على أصل أن التمايز والتنازع وظيفتان رئيسيتين للمجتمع، ويتصل بورديو بالمقاربة التنازعية التي ترتكز إلى التفسيرات الماركسية، لكن هذا التنازع والتمايز يتكونان، قبل كل شيء في متنوع الحقول والفضاءات المجتمعية الفرعية الأصلية، قبل أن يتحددا على صعيد المجتمع الماكروسوسيولوجي.
تمتاز هذه الحقول بوجود اختلاف طبقي واجتماعي منفرد، ووجود مهيمنين ومهيمنين عليهم، وبرأي آخر إذا كان المجتمع تبعاً للمقاربة الماركسية موجوداً على تنازع المستوى الاجتماعي، فإن هذا التنازع حسب بيير بورديو يتكوّن أولاً من خلال نماذج وفضاءات مجتمعية جزئية، قبل أن يتغير إلى ظاهرة اجتماعية عمومية.
نظرية الأداء عند بيير بورديو:
وقد اتخذ بيير بورديو نظرية الأداء التي تتصل بمفهوم بتوجيه السلوك، بمعنى أن الناشطين المجتمعيين ينموّن سلسلة من الاستراتيجيات التي يتخذونها، من خلال التنشئة الاجتماعية، بأسلوب غير مدرك، من أجل التكيف مع ضرورات العالم الاجتماعي.
أي أن توجيه السلوك عبارة عن سلسلة من المواقف والموارد والمكتسبات والقيم والعادات والأعراف والخبرات والتجارب والمعايير التي يكون الإنسان قد اكتسبها من خلال التنشئة الاجتماعية، بأسلوب لا عقلاني، من أجل دمجها خلال مقابلة الوضعيات الشديدة والمعقدة في العالم الاجتماعي، وبهذا يكون توجيه السلوك متوسطاً بين السلوك والمجتمع، أو بمثابة الأنا الأعلى الذي يتوسط الذات أو الأنا والمجتمع بمفهوم علم النفس.
علاوة على ذلك، فتوجيه السلوك هو بمثابة السلوك غير المدرك الذي ينشأ عنها المواطنون المجتمعيون خلال تعايشهم وتأقلمهم مع المجتمع مطابقاً، كما يقول جان بياجيه في منظوره التكويني، وبهذا يدمج توجيه السلوك بين الإنسان والمجتمع، بين السلوك والبنية، والذات والموضوع، والضرورة والحرية.
وبناءً على ذلك يتخذ بيير بوريدو البنيوية التكوينية على المستوى علم الاجتماع، بقصد أنه يطابق بين السلوك والبنية، أو يضم بين دور الفاعل المجتمعي وبنية المجتمع، فكل من هذين العنصرين يؤثران في بعضهما البعض، بمعنى أن هناك تفاعلاً وتطابقاً وتوفيقاً بين الفاعل والمجتمع، أو تفاعلاً بين الإدراك والتحليل وبين الضرورة والتعبير، وبذلك يكون قد جمع بين التصور الدوركايمي التحليلي، والتصور البشري النفسي عند ماكس فيبر.