المورد والوجاهة والسلطة عند ماكس فيبر

اقرأ في هذا المقال


أصبح شائعاً حالياً في علم الاجتماع التمييز بين الطبقة والمقام وإسناداً لهذا التمييز إلى ماكس فيبر، الذي جاءت كتاباته على مفترق القرنين التاسع عشر والعشرين، لقد حاول فيبر بناء أدوات تحليلية ولكنها أيضاً وصفية لتنوع المجتمعات وتاريخها.

مفاهيم متنوعة لطبقة الاجتماعية في التصورات السوسيولوجية عند ماكس فيبر:

في تصورهم عن الطبقات الاجتماعية يبحث علماء الاجتماع عن عناصر مختلفة، ويسعون أيضاً إلى تمييز يقوم على قاعدة الحد الأدنى من الموضوعية، ويرغبون أيضاً في الأخذ بعين الاعتبار لتصورات محلية ولمظاهر مثل الوعي الطبقي أي الدرجة التي على أساسها يعتقد الأشخاص أنهم ينتمون إلى جماعة معينة يصفونها هم أنفسهم بأنها طبقة، بالإضافة إلى ذلك إن الأوجه من حياة الأشخاص اليومية وتنظيم المجتمع أو مصيره التي لا يبدو لهم أن عليها الإسهام بطريقة أو بأخرى في فهم النظام القليل.

أنواع من التصورات السوسيولوجية عند ماكس فيبر:

1- الطبقة الموقع، الموقع الطبقي، الطبقة بذاتها، تعود إلى تشابه موضوعي في موقع الفاعلين ومؤهلاتهم.

2- الطبقة الهوية، الطبقة لذاتها، تقوم على مظاهر موضوعية مثل درجة المخالطة، التشابه في الممارسات وفي الآراء وعلى مظاهر أكثر ذاتية، مثل مشاعر الهوية المشتركة والوعي الطبقي.

3- الطبقة كفاعل تاريخي، ترتبط في حال تبني النظرة المصغرة بالنسبة للطبقة، بدرجة مشاركة أعضاء الجماعة الملموسة في المطالب وعملهم المشترك، أو إذا اعتمدنا النظرة المبكرة بالدرجة التي يسمح فيها بناء نموذج مصغر مبسط بتوضيح تصورات المجتمع.

لا شيء يؤكد بصورة مسبقة أن تقود وجهات النظر المختلفة هذه التي يحددها كل من المفاهيم الثلاثة إلى نتائج متشابهة، فعلماء الاجتماع الحريصون على التجريبية عليهم إذن القيام بتوليف معين، مضخمين بذلك أو مختارين بين وجهات النظر الممكنة، ومن أجل هذا عليهم أن يستندوا إلى النظريات المفضلة لديهم وتقديراتهم الشخصية عن الأوضاع الواقعية.

بالطبع لو كانت نظريات الطبقات الاجتماعية مصاغة بشكل مرضٍ، ولو كانت المعطيات عديدة بشكل كافٍ، لما أصبحت التقديرات حول الأوضاع الحقيقية وأنماط التضخيم لوجهات النظر الممكنة قضايا ذاتية وشخصية، بل مواضيع تقييم قابلة ﻷن تكون موضوعية، ولكان الجدل أصبح أكثر وضوحاً، ولكن مع الأسف ليس الحال بهذا الشكل لا بل يمكن القول بحق إن الصعوبة تزداد بقدر ما يمكن أن تبدو التشخيصات الجزئية، التي تقدمها المعطيات المتوافرة بخصوص فرنسا مثلاً، متناقضة.

إن مجالات الخيارات المتروكة لتقدير عالم الاجتماع هي في الإجمال كبيرة إلى حد ما، فتأويلات أعماله عديدة والملاحظات القليلة التي سترد قد تكون الترجمة التي نتجت وشاعت عنها أكثر من كونها مقاربة ماكس فيبر نفسها.

نماذج التجمعات بين الأشخاص بحسب ماكس فيبر:

في كتابه الاقتصاد والمجتمع توقف فيبر على أشكال التجمعات التي يمكن أن نجدها في المجتمعات، وقد خصص فصلين تمهيديين للتجمعات القائمة على المصلحة المادية من جهة والسلطة من جهة ثانية، وهناك مبدأ ثالث أقل جلاء بيد أنه يظهر بوضوح في الاقتصاد والمجتمع وهو الفئات.

يقول فيبر إن التجمعات القائمة على المصلحة المادية اتخذت أشكالاً متنوعة على مدى التاريخ، وفصّل فضلاً عن ذلك بشكل مطوّل انتقال الطوائف العائلية أو المتجاورة، والتي هي تجمعات لا نستطيع الادعاء بأنها قائمة بصورة حصرية على المصلحة المادية، إلى طوائف من نمط تعاقدي، ومبنية على المصلحة المادية المشتركة، من أجل القيام بمشروع تجاري بعيد، أو استثمار احتكار أو تأسيس مشروع رأسمالي.

كما أوضح فيبر قائلاً، بأننا نتكلم على طبقة أولاً، عندما يملك عدد معين من الأشخاص بصورة مشتركة عنصراً سببياً خاصاً حول حظوظهم في الحياة، ثانياً بقدر ما يعني هذا العنصر حصرياً إمكانية الحصول على الممتلكات والموارد الاقتصادية، وثالثاً بقدر ما يترجم في أشكال أسواق السلع والعمل، ويعرف الطبقة بأنها، كل مجموعة من الأفراد هم في الوضعية الطبقية نفسها.

باختصار إن الطبقات بالنسبة ماكس فيبر هي تجمعات أو تجميعات أشخاص يشتركون في الوضعية نفسها بالنسبة ﻷسواق العمل والسلع الاقتصادية، فهو يعرفها إذن بالاستناد بشكل دقيق إلى النظام الاقتصادي، مثل ماركس، بالإضافة إلى ذلك فهو يؤكد أن وجود الطبقات لا يكفي ﻹحداث أفعال طبقية.

حيث يلاحظ فيبر في موضوع السلطة، أن انقياد هؤلاء الطائعين قد تعود إلى أسباب متنوعة جداً، ولكن كي يسير هذا بشكل جيد، يجب توافر شيء إضافي وهو الإيمان بالشرعية، أي ما يعني أخلاقية القيادة، فمن الناحية العملية، يجب التمييز بين من يملكون القرار ومجموع الإداريين وأخيراً جمهور الناس الذين يؤمرون.

ويميز ماكس فيبر بين ثلاثة نماذج رئيسية لتنسيق هذه العناصر المتعددة، السيطرة الكاريزماتية حيث تستند الشرعية إلى الإيمان بسلطات متعالية لصاحب القرار، السيطرة الشرعية البيروقراطية، حيث الجميع يلتزم بفكرة أن جسماً مكوناً من قواعد تحترم وتناقش سوف يؤمن الخير العام، والسيطرة التقليدية التي تجد شرعيتها في العادات، فيما بعد لم يقترح فيبر تعريفات مميزة جداً للتجمعات التي تستند إلى هذا المبدأ التنظيمي ألا وهو السلطة.

الإرث الفيبري في علم الاجتماع:

إن الفوارق كبيرة بين مقاربة ماكس فيبر التفسير المعاصر لها، لقد اهتم فيبر بتاريخ المجتمعات في كل الأرض، ولم يكن يسعى بلا شك لصياغة أدوات مفهومية تتطابق بصورة أكثر خصوصية مع تحليل المجتمعات الصناعية، بالإضافة إلى ذلك ورغم أن فيبر لم يكن يصيغ أفكاره بهذه التعابير التي ليست تلك الخاصة بعلم اجتماع عصره، فإن الأبحاث المعاصرة التي تستلهم به تتبنى في الغالب مقاربة فردية منهجية، وهي توضع على الأقل على المستوى المجتمعي الصغير أكثر مما توضع على المستوى الكبير، وهذا تفسير للمنظور الفيبري قابل بالطبع للنقاش.

مهما يكن من الأمر، إن الملاحظات حول أعمال فيبر قدمت عدداً معيناً من الأفكار أصبحت كما اعتقد جزءاً من المخزون المشترك السوسيولوجي الحالي حول التفريع الاجتماعي، هذا لا يعني طبعاً أن كل علماء الاجتماع يقبلون هذه الأفكار، ولكنهم جميعهم يعرفونها ويجب أن يحددوا موقعهم بالنسبة إليها.

فهناك أولاً فكرة تعددية الأبعاد العائدة إلى ثلاثية الوجاهة والسلطة، وبشكل خاص يقترح فيبر أنه إلى جانب تبنين المجتمع القائم على التنظيم الاقتصادي، هناك تبنين آخر قائم على الشرف والوجاهة أو أي مرادف آخر نفضل استخدامه، وأن هذين النظامين من التبنين لا يمكن الخلط بينهما، فجماعات المقام والطبقات الاجتماعية، الطبقة هنا هي مستخدمة بالمعنى الدقيق الذي يعطيه فيبر للتعبير، معنى هوية الموقع اتجاه أسواق العمل والسلع والخدمات، تختلف فكرياً كما يقول رغم هذا التشابك قد يكون في بعض الحالات كبيراً جداً، مما يؤدي بالتأكيد إلى نظرة إلى المجتمع معقدة لحد ما.


شارك المقالة: