الموقف الأيديولوجي لماكس فيبر في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


الموقف الأيديولوجي لماكس فيبر في علم الاجتماع:

تتسق نظريات ماكس فيبر عن المجتمع بشكل واضح مع التزاماته السياسية والأيديولوجية، فقد أعلن ماكس فيبر سواء في مؤلفاته أو محاضراته العامة، أو في النصائح التي يقدمها للسلطة في ألمانيا في عهده أنه من أعظم المدافعين عن النظام الرأسمالي البرجوازي، وأنه من أشد أعداء الماركسية.

وقد وصف ماكس فيبر بأنه ماركس البرجوازي، أي أنه مثلما كان يدافع ماركس عن البروليتاريا أو الطبقة العاملة فإن ماكس فيبر هو المدافع عن البرجوازية الألمانية بالطبع والبرجوازية العالمية، وقد وصف ألبرت سالمون علم اجتماع ماكس فيبر بأنه يأسره كان حواراً طويلاً مكثفاً من شبح كارل ماركس.

والواقع أن ماكس فيبر ينتمي إلى تلك المدرسة من علماء الاجتماع الذين ينبع اهتمامهم بالمجتمع من اهتمامهم بالمسائل العامة وبالسياسة، وفي ذلك يتشابه ماكس فيبر مع ميكيافيللي مثلاً، وكان ماكس فيبر يود أن يكون من رجال السياسة وأن يمارس السلطة، وكان يحلم أن يكون رئيس دولة وليس مجرد زعيم حزب، ولكن ماكس فيبر لم يكن سياسياً ولا رئيس دولة، بل أن كل ما استطاع أن يحققه هو أن يكون مستشاراً أو ناصحاً للأمير.

أن آراء ماكس فيبر السياسية التي ترجمها إلى نظرية اجتماعية تدور جميعاً حول أن النظام الرأسمالي وأن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والتنافس بين المنتجين على السوق إنما هي أنسب شيء للإنسان، وأن هذا النظام إنما يرتبط بالعقلانية ويمثل قمة التطور الإنساني.

والرأسمالية بما ترتبط به من عقلانية هي مصير الإنسان، ولا جدوى بأي حال من الأحوال من الثورة على هذا النظام، وكان ماكس فيبر من ألد أعداء الاشتراكية على الرغم من إعجابه بمؤلفاته كارل ماركس، وكان يرى أن ما يتهدد الكرامة الإنسانية إنما هو في الحقيقة النظام الاشتراكي، بما سيرتبط به من استبعاد للأفراد بواسطة الدولة الاشتراكية والمؤسسات البيروقراطية التي ترتبط بها، وعبر مراراً وتكراراً عن رأيه في أن الاشتراكية سوف تؤدي إلى ازدياد سيطرة الإنسان على أخيه الإنسان أو إلى سيطرة المنظمات على الأفراد وإلى حرمان الفرد من حريته، ويجب أن نلاحظ التطابق بين آراء ماكس فيبر التي عبر عنها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وبين الدعاية التي ما زالت توجهها الدولة الرأسمالية ضد الاشتراكية.

ولم يكن ماكس فيبر مدافعاً فقط عن النظام الرأسمالي، ولكنه كان أيضاً من أشد المدافعين عن الإمبريالية أو الاستعمار، فقد انتقد فيبر مثلما فعل نيتشه الشعب الألماني لما يتصف به من ميل للطاعة السلبية وتقبل الحكومات التقليدية، وقال أن هذه الصفات جميعها لا تليق بشعب لا بدّ وأن يلعب دوراً عالمياً كبيراً، وعبر بوضوح عن ضرورة أن يكون ﻷلمانيا دور استعماري في العالم وكذلك أوروبا الغربية.

لقد كان ماكس فيبر يتخذ كما قلنا موقف المدافع عن النظام الرأسمالي، ويجد كل الأدلة ﻹثبات أنه أفضل النظم الت عرفتها البشرية، ولكي يتحقق هذا الهدف كان عليه أن يهاجم كلاً من الفكر المحافظ السائد في ألمانيا وأروبا المرتبط بالإقطاع، وأن يهاجم كلاً من الفكر المحافظ السائد في ألمانيا وأروبا المرتبط بالإقطاع، وأن يهاجم أيضاً الفكر الاشتراكي الراديكالي، الذي انتشر بفعل الحركات الاشتراكية في أوروبا.

وقد عبر ماكس فيبر ربما أكثر من غيره من علماء الاجتماع الأوائل عن مواقفه الأيديولوجية والسياسة بوضوح كامل، فقد قرر مثلاً في أحد محاضراته التي كان يلقيها في فراى بورج، في عام 1905 عن هذه الآراء بقوله: إنني عضو في الطبقة البرجوازية وأنا أفخر بذلك، وقد نشأت في أحضان هذه الطبقة وتبنيت آراءها ومثلها العليا.

وعلى الرغم من أن ماكس فيبر قد هاجم بشدة المفكرين المحافظين في ألمانيا، إلا أنه كان يشعر بالرعب من الأفكار الاشتراكية بصفة عامة ومن التحول الاشتراكي، وكان يتخذ موقف العداء من الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا، ولماكس فيبر عبارات واضحة تماماً تبين موقفه بما لا يدع مجالاً للشكل، فقد قال: إذا إلغيت الملكية الخاصة فإن بيروقراطية الدولة هي التي سيكون لها الحكم في المجتمع، وبينما نجد في النظام الرأسمالي أن بيروقراطية الدولة وبيروقراطية الصناعة يمكنهما أن يقللا من الآثار السيئة لكل منهما، فإنهما سوف يصبحان جسداً واحداً في الدولة الاشتراكية، بحيث تستبعد البيروقراطية الإنسان، ولن يكون للعامل أية حرية على الإطلاق.


شارك المقالة: