النظريات أحادية الاتجاه في الفكر السوسيولوجي في علم الاجتماع:
تقوم هذه النظريات على أساس أن التطور الاجتماعي ﻷي مجتمع يسير في خط مستقيم وعبر مراحل متتابعة بفعل قوى داخلية وخارجية، وقد ساهم العديد من رواد علم الاجتماع في إذكاء هذا الاتجاه.
فقد حدد علم الاجتماع أوجست كونت، ثلاث مراحل تقدمية هي الأطوار الثيولوجية أو الدينية، ثم المرحلة الميتافيزيقية، وأخيراً يصل المجتمع إلى المرحلة الوضعية حيث يسود المجتمع الاتجاه العلمي، وهناك ثلاثة مراحل كبرى حددها المفكر أوجست كونت لتطور المجتمعات تقابل مراحل التطور الفكري وهي مرحلة الإغارة، ثم مرحلة الصون والحماية، وأخيراً مرحلة الصناعة.
كذلك فقد قدم هربرت سبنسر نظرية تلتزم بأساسيات هذا الخط التطوري، حيث أوضح أن علم الاجتماع يهتم بدراسة التطور في أشكاله الأكثر تعقيداً، فالتطور الاجتماعي عند هذا المفكر، هو استمرار للتطور الذي يطلق عليه ما فوق العضوي عند الحيوانات، وهذا الأخير هو في جوهره استمرار للتطور العضوي، وإذا كان التطور العضوي يتوقف على حدوث تغيرات جوهرية في أشكال التجمع البشري.
وتتضمن فكرة التطور عند سبنسر فكرة السير المتواصل في اتجاه واضح المعالم، وكانت نظريته عبارة عن محاولة لبيان المظاهر الأساسية لهذا الاتجاه، ويلخص أساسيات هذا الاتجاه في عبارة التقدم نحو كمال التنظيم، ويتضمن مفهوم التنظيم عند هذا المفكر فكرتين البناء والوظيفة، فالفرق بين الحيوانات الدنيا والعليا هو في جوهره فرق من حيث التنظيم، فالحيوانات العليا أرقى تنظيماً من الحيوانات الدنيا.
وهذا يعني أن بنائها أكثر تعقيداً، وأن أعضاؤها تؤدي وظائف أكثر تخصصاً ودقة وتعقيداً، ونفس الشيء ينطبق على المجتمعات فالمجتمعات الأكثر تطور هي الأعقد بناءً والأكثر تخصصاً من حيث النظم.
سير التطور الاجتماعي عند سبنسر:
فالتطور الاجتماعي يسير عند سبنسر من التجانس إلى المتباين، فالمجتمع البدائي أو التقليدي يتسم بتجانس أعضائه من حيث العمل والفكر والتقاليد، أما المجتمع الأكثر تطوراً فهو ذلك الذي يتسم بالتخصيص وتجزئة العمل والانقسام المهني والفكري، ففي هذا المجتمع الأخير تظهر جماعات ونظم أكثر تخصصاً لتقوم بوظائف مستقلة، فبعد أن كانت العائلة في المجتمع التقليدي تقوم بالوظائف التربوية والدينية والاقتصادية والسياسية والترفيهية، فإن هناك نظماً مستقلة ﻷداء كل وظيفة من هذه الوظائف في المجتمعات الأكثر تطوراً.
ويتبنى كل أنصار الدارونية الاجتماعية، التطور أحادي الاتجاه، ويستخدمونها استخداماً خاصاً في خدمة السياسة والاقتصاد في العالم الغربي، والدارونيون الاجتماعيون أولئك الذين تأثروا بنظرية دارون وحاولوا تطبيقها في العالم الاجتماعي، ومن أهم ممثلي هذا الاتجاه هربرت سبنسر وقد ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن حركة التغير داخل أي مجتمع محكومة بسيطرة الإنسان عليها، وكل المحاولات التي تبذل في هذا الصدد، أو للتأثير في مجرى النمو التطوري لن يؤدي إلا إلى قلقة التوازن الاجتماعي القائم داخل المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى آثار وخيمة لا يمكن التوقع بها.
وقد عارض أنصار الاتجاه الداروني التطوري في علم الاجتماع ذلك الاتجاه الوضعي الذي تبناه كونت مؤسس ذلك العلم في العالم الغربي، فقد ذهب كونت إلى أن الدراسة العلمية أو الوضعية للمجتمع تتيح لنا الفرصة لفهم الأسباب الموضوعية لما يعانيه المجتمع من أزمات ومشكلات، وبالتالي تتيح لنا فرصة مقابلة هذه المشكلات والإسراع في تحقيق التقدم الاجتماعي داخل المجتمع.
وهذا ما عارضه أنصار الاتجاه الداروني معارضة صارمة، حيث لا جدوى في نظرهم من التدخل البشري في خط سير الحياة الاجتماعية، ﻷنها محكومة بقوى طبيعية صارمة، ومن هنا فإنه لا جدوى من الحركات الإصلاحية أو الاشتراكية أو أية محاولة لتغيير التنظيم الاجتماعي السائد في العالم الغربي، وهذا هو الهدف الأيديولوجي الخلفي من حركة الدارونية الاجتماعية.
ويمكن أن ندخل النظرية الماركسية داخل هذا الاتجاه نتيجة لما تضمنته هذه النظرية من مراحل تطورية أحادية الاتجاه، فالمجتمعات طبقاً لهذه النظرية الأخيرة تمر المشاعية البدائية، حيث كانت أدوات الإنتاج بسيطة، وكان الإنسان عاجزاً عن مصارعة قوى الطبيعة بمفرده، الأمر الذي اضطره إلى العمل الجماعي.
واتسمت هذه المرحلة بنوع من الشيوعية أو الملكية المشتركة للأرض والأدوات، ثم ينتقل المجتمع إلى مرحلة الرق أو العبودية، حيث يحدث نوع من التطور في قوى وأدوات الإنتاج، كما يظهر تغير في أوضاع الملكية والترتيب الطبقي للمجتمع، وبالتالي في جميع المتغيرات الأخرى كالسلطة والأسرة والدين، فهنا تظهر طبقة مالكة تسترق أخرى كادحة، ومع تطور المجتمع ينتقل إلى المرحلة الاقطاعية بعد أن يحث تطور جديد في قوى وأدوات الإنتاج ويفضل استخدام المعادن، خاصة الحديد حيث يتم صنع المحراث.