أصل نظريات الجريمة البيولوجية

اقرأ في هذا المقال


النظريات البيولوجية للجريمة والتي تشمل سلالة من التفكير يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وتجادل بأنّ ما إذا كان الناس يرتكبون جرائم أم لا يعتمد على طبيعتهم البيولوجية، وبعض الأفراد عرضة للجريمة بسبب عوامل وراثية أو هرمونية أو عصبية قد تكون موروثة أي موجودة عند الولادة أو مكتسبة أي من خلال حادث أو مرض).

أصل النظريات البيولوجية لعلم الجريمة

لا يمكن لأحد أن يكون مجرمًا بالفطرة لأنّ الجريمة معرّفة اجتماعيًا، ويجب إنشاء ارتباط من بعض العوامل العامة مثل العدوانية والاندفاع والمخاطرة وما إلى ذلك، وقد استمدت نظريات الجريمة البيولوجية المبكرة تأثيرها من نظرية التطور والانتقاء الطبيعي لداروين، وافترضت نظريات مثل نظرية الانحلال أنّ الأشخاص الذين استخدموا سمومًا معينة -مثل الكحول والأفيون- اكتسبوا سمات متدهورة أخلاقياً، ويمكن نقل هذه السمات بيولوجياً واجتماعياً إلى ذريتهم.

تاريخيًا تم استخدام النظريات البيولوجية للجريمة -على وجه الخصوص عمل لومبروسو (Lombroso) وبنديكت أوغستين موريل (Bénédict Augustin Morel)- كمبرر لبرامج تحسين النسل مثل تلك التي نفذها الرايخ الثالث، وأدت صياغة علم الأعصاب في النصف الأخير من القرن العشرين إلى إلقاء الضوء على الدراسات الجينية للجريمة، وتبحث هذه الدراسات في كيفية تفاعل بعض النواقل العصبية أو المواد الكيميائية في الدماغ مع عدد من السلوكيات البيئية لإنتاج سلوك إجرامي، وإحدى المنهجيات الشائعة لهذا هي دراسات التبني التوأم.

نظرية الانحطاط

نظرية الانحطاط أو نظرية الانحلال في عام 1857، وهي فرع من أبحاث القرن التاسع عشر في النظريات البيولوجية للجريمة، حيث تجادل بأنّ بعض الطبقات الاجتماعية (الدنيا) والأعراق كانت عرضة للأمراض العصبية والعقلية عن طريق الوراثة مما يجعلها أكثر عرضة لارتكاب الجرائم.

أولئك الذين هم في مكانة اجتماعية متدنية مثل البغايا والمجرمين والفقراء والذين يعانون من أمراض عقلية كانوا معيبين أخلاقيًا ويمثلون تراجعًا في التطور البشري، وقد اقترح بنديكت أوغستين موريل (Bénédict Augustin Morel) في عام 1857 أول نظرية للانحلال التدريجي في كتابه سمات الاضمحلال الجسدي، المثقفون والأخلاق من الجنس البشري (Traits des Dégénérescences Physiques, Intellectuelles et Morales de l’Espèce Humaine).

يعتقد موريل أنّ استخدام مواد معينة مثل الحشيش والكحول والأفيون أدى إلى تدهور جسدي ومعنوي تدريجي ينتقل من جيل إلى جيل، مما أدى إلى مجتمع يتسم بتدهور الشخصية الفكرية والأخلاقية وكذلك بعض الخصائص الفيزيائية، وستؤثر هذه النظرية على نظرية الجريمة البيولوجية في سيزار لومبروسو (Cesare Lombroso).

هناك جانب رئيسي آخر لنظرية الانحطاط هو فكرة أنّ الانحطاط الأخلاقي هو وراثي، ويعتقد منظرو الانحطاط على نطاق واسع أنّ الأمراض الأخلاقية والجسدية التي تؤدي إلى الحالة الاجتماعية المنخفضة ستستمر وتتكاثر من جيل إلى جيل بيولوجيًا واجتماعيًا، وهكذا اعتقد منظرو الانحطاط أنّ ما يسمى بتمازج الأجناس بين الأشخاص المعيلين أخلاقياً يجب أن يُنظم بواسطة علم تحسين النسل والنظافة الأخلاقية من أجل خير المجتمع.

نظرية أتافستيك للجريمة

اشتهر سيزار لومبروسو في عام 1876 بتطوير نظرية أفاستيك (Atavistic Theory) للجريمة في كتابه الرجل الإجرامي (The Criminal Man)، ففي هذا الكتاب جادل لومبروسو بأنّ هناك فئة بيولوجية مميزة من الأشخاص المعرضين للإجرام، وتقترح نظرية لومبروسو في عام 1876 لعلم الإجرام أنّ الإجرام موروث وأنّ الشخص مجرمًا يمكن التعرف عليه من خلال مظهره.

وأشار إلى وجود فئة بيولوجية مميزة من الأشخاص المعرضين للإجرام، وأظهر هؤلاء الأشخاص ميزات (atavistic) أي بدائية أو رجعية، واقترح لومبروسو أنّهم كانوا مرتدين يتمتعون بخصائص بيولوجية من مرحلة سابقة من التطور البشري تتجلى كميل لارتكاب الجرائم، وترتبط فكرة الخصائص الأتافية بفكرة الانحطاط، ووفقًا لسيزار لومبروسو يتمتع الجناة بخصائص جسدية وعقلية معينة للإنسان البدائي وهم يرتكبون الجريمة بسبب هذه التشوهات البيولوجية.

زعم لومبروسو أنّ الأنواع الإجرامية يمكن تمييزها عن عامة السكان لأنّها تبدو مختلفة، وهؤلاء الناس لديهم سمات (atavistic) أو بدائية، فكان للسارقين وجوه معبرة ومهارة يدوية وعيون صغيرة متجولة، أمّا القتلة لديهم نظرات باردة وزجاجية وعيون محتقنة بالدم وأنوف تشبه الصقر، بينما كان مرتكبو الجرائم الجنسية يحملون شفاه غليظة وآذان بارزة، وكانت المجرمات أقصر وأكثر تجعدا وشعر أغمق وجرائم أصغر من النساء العاديات.

جادل لومبروسو بأنّ هذا يعني أنّ المجرمين كانوا في مرحلة تطور بدائية أكثر من غير المجرمين، مما جعلهم غير قادرين على التكيف مع المجتمع المعاصر وبالتالي عرضة لارتكاب الجريمة، وجاء ذلك مع الإشارة إلى أنّ الإجرام كان وراثيًا.

نظرية شيلدون سوموتيبس

اقترح ويليام شيلدون (Sheldon Somotypes) في عام 1942 وجود علاقة قوية بين الشخصية والنمط الجسدي (أي اللياقة البدنية)، ومن دراسة أجريت على عدة مئات من الجسد الذكوري استخلص ثلاثة أنواع من الأجسام المصنوعة وهي:

1- الشكل الخارجي (Ectomorph) الذي يتميز بإطار نحيف سلكي.

2- باطني الشكل (Endomorph) وهو ثقيل ومستدير.

3- الميزومورف (Mesomorph) -وهو شخص ذو جسم مدمج وعضلي- مع هيكل عضلي صلب.

ارتبط كل نوع من أنواع الجسم بشخصية معينة بحيث:

1- Ectomorph: انطوائي وهادئ وهش وحساس.

2- Endomorph: مريح ومؤنس ومتسامح ومسالم.

3- Mesomorph: عدواني وحازم ومغامر.

وأشار شيلدون إلى أنّ الغالبية العظمى من المجرمين كانوا من الحيز، وأحد التفسيرات لذلك هو أنّ الشخص ذو العضلات القوية يصبح متورطًا في الجريمة في سن مبكرة بسبب مظهره المخيف، وقد تبدو هذه النظرية البيولوجية غير قابلة للتصديق ولكن الناس غالبًا ما يضعون الآخرين في صورة نمطية بناءً على خصائص مثل مظهرهم، وقد يصدر أفراد معينون (مثل الشرطة) أحكامًا سريعة بشأن الأشخاص والتي قد يكون لها آثار على السلوك الإجرامي.

نظرية المسارين لتيري موفيت

نظرية المسارين لتيري موفيت (Terrie Moffit) هي نظرية بيولوجية اجتماعية للجريمة، ويقترح موفيت في عام 1993 أنّ هناك مجموعتين من الأشخاص الذين يرتكبون جرائم وهم:

1- الجناة المستمرون في مسار الحياة: والذين يبدأ سلوكهم الإجرامي المعادي للمجتمع في مرحلة الطفولة ويستمر في التدهور بعد ذلك.

2- المجرمون المحدودون للمراهقة: الذين يبدأ سلوكهم المعادي للمجتمع في مرحلة المراهقة ولكنه ينتهي في مرحلة الشباب.

في حين أنّ المجرمين الذين يستمرون في مسار الحياة نادرون ولكن بطبيعتهم مرضية، فإنّ المجرمين المحدودين للمراهقين شائعون نسبيًا ومؤقتون وقريبون من الطبيعي، وكان لنظرية المسارين لموفيت آثار مهمة على السياسة الجنائية باعتبارها واحدة من أكثر النظريات الإجرامية الحديثة انتشارًا.

والجدير بالذكر أنّ أولئك الذين يتبعون نظرية موفيت يعتقدون أنّ حوالي 5٪ من السكان يمكن أن يكونوا مجرمين طوال حياتهم، وقامت حكومة هامبورغ في ألمانيا استجابة لهذه النظرية بفحص الأطفال في سن المدرسة الابتدائية في محاولة لتوفير تدابير علاجية اجتماعية يمكن أن تعوض عن ضعف دعم الوالدين.

المصدر: رؤوف عبيد، أصول علمي الإجرام والعقاب (دار النهضة العربية، القاهرة 1985).إيناس محمد راضي (19-9-2015)، "الجريمة"، University of Babylon ، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017. أ. د. محمد جبر الألفي (20-10-2016)، "ماهية الجريمة الجنائية"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 27-4-2017.سعد الراشد (27-1-2015)، "أسباب الجريمة وطرق مكافحتها"، الجماهير، اطّلع عليه بتاريخ 29-4-2017.


شارك المقالة: