لعل من المفيد الإشارة إلى أن هذه النظرية هي النظرية الوحيدة التي صيغت أصلاً لوصف ظاهرة الشيخوخة وتفسيرها في المجتمع الحديث ففي عام 1960م، نشر كمنج وهنري كتابهما مضمنين هذا الكتاب النظرية الانفصالية، والتي تتناول الجوانب الاجتماعية والنفسية لكبار السن.
النظرية الانفصالية في مجال الشيخوخة
خلاصة هذه النظرية أن الفرد يكون عادة مركزاً لشبكة من التفاعلات والعلاقات الاجتماعية وبتدرجه في الكبر تبدأ حياتهم الاجتماعية في التقلص، كما تضيق ارتباطه بالأنساق الاجتماعية المختلفة، هذه العملية حتمية وعامة، كما أنها في نهاية الأمر ذات مردود إيجابي على الفرد الذي يمر بهذه التجربة وبالتالي على المجتمع الذي ينتمي إليه.
ولقد طور كمنج في بعض جوانب هذه النظرية، حيث تنظر إلى الانفصال بين كبار السن ومجتمعهم، على أنه انفصال تدريجي متبادل بين المسن ومجتمعه يبدأ به أحدهما أو كلاهما، وتبدأ هذه العملية عادة من قبل المسن مقدماً من خلال الإعداد ﻷدوار أقل وعلاقات أضيق.
لقد أثارت هذه النظرية اهتماماً كبيراً في مجال علم الشيخوخة الاجتماعي لما تحمله من سلبيات تجاه كبار السن، وبصرف النظر عن مدى صحتها ومدى الاستفادة منها في أبحاث الشيخوخة.
إلا أنها كانت بمثابة صرخة قوية في آذان المهتمين بموضوع الشيخوخة والحاجة الملحة لوجود أطر نظرية لهذا العلم الوليد، ولعل اتجاه هذه النظرية نحو كبار السن ومصيرهم المحتوم بالانفصال عن المجتمع، كان وراء الكثير من الدراسات التي حاولت التحقق من هذه النظرية، كما اتجه باحثون آخرون ﻹلقاء الضوء على الجوانب الحياتية لكبار السن، ومدى الانفصال الذي يلحق بهم في هذه الجوانب.
لقد أدى نشر هذه النظرية إلى العديد من المناقشات والندوات بين علماء الشيخوخة الاجتماعية، ومن المفيد أن تقف قليلاً عند بعض ردود الفعل التي سببتها النظرية الانفصالية في ميدان علم الشيخوخة الاجتماعي، ومن خلال النظرة السريعة على كتابات علماء الشيخوخة الاجتماعي.
يمكن القول أن هناك شبه إجماع على سلبية هذه النظرية وحاجتها إلى التطوير والتعديل، وأكثر ما يؤخذ على هذه النظرية هو افتراضها أن الانفصال بين كبار السن ومجتمعهم أمر عام وحتمي، ويشكك مودوكس في زعم هذه النظرية بحتمية وعمومية هذا الانفصال، كما يرى أن الانفصال ربما ينطبق على نسبة ضئيلة من كبار السن.