النظرية السوسيولوجية ومشكلاتها المنهجية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


النظرية السوسيولوجية ومشكلاتها المنهجية في علم الاجتماع:

اختلف الباحثون في علم الاجتماع في أهمية الدور الذي تلعبه النظرية السوسيولوجية في نمو هذا العلم من حيث بنائه المعرفي، كما اختلفوا في علاقة هذه النظريات بالبحوث الواقعية، هذا إلى جانب اختلافهم في تقويم النظريات السوسيولوجية المطروحة سواء من حيث بنائها أو صورتها المنطقية العلمية، أو من حيث اتفاقها مع شروط النظرية العلمية.

أو من حيث دورها في دعم أو تعويق الفهم الموضوعي للواقع الاجتماعي، أو من حيث وظيفتها في توجيه البحوث الواقعية ويؤكد بعض الدارسين أن النظرية تزيد من ثمرة البحث الميداني وخصوبته، من خلال إمداده بالموضوعات والقضايا التي تستحق الدراسة، وربط النتائج الجزئية بالتعميمات النظرية وتفسير النتائج التي يخرج بها البحث الميداني.

يضاف إلى هذا أن استخدام النظريات كموجهات للدراسة الميدانية من شأنه، كما يشير إلى هذا سيلتز وآخرون، أن يؤدي إلى النمو المتراكم للمعارف في علم الاجتماع، وتتضح أهمية هذه النقطة عند فحص هذه الدراسات الهزيلة التي يقوم بها غير متخصصين، والمليئة بالجداول والأرقام.

والتي تفتقد إلى إطار تفسيري قادر على الربط بين البيانات المتناثرة المجمعة من البحوث الميدانية غير الموجهة، فإن العلاقة جدلية أو تفاعلية بين النظرية والبحث، فالبحث يسترشد بالنظرية، كما أن البحوث تضع هذه النظرية موضع اختبار كذلك فإنها يمكن أن تسفر عن تفسيرات ونظريات جديدة.

وأن هناك مجموعة من أقطاب علم الاجتماع حاولوا التركيز على دراسة حقائق المجتمع وفهمها، وهذا في نظرهم أهم من إطلاق نظريات أو دراسة النظريات وحدها، وهذا ما أوضحه ديترم سوركين في مقدمة دراسته الهامة بعنوان النظريات السوسيولوجية المعاصرة.

دراسة النظريات عند ديترم سوركين:

وقد برر سوركين إخراج كتابه هذا بالحاجة إلى استعراض النظريات السوسيولوجية الرئيسية التي نضجت في السنين الأخيرة بطريقة تتجاوز مجرد العرض التاريخي أو الإقليمي، هذا إلى جانب تمكن الباحثين من الإلمام بالنظريات السوسيولوجية المتكاثر عددها.

والتي تناولت موضوعه الذي يدرسه تحقيقاً للإحاطة والشمول، إلى جانب حاجة هذه النظريات إلى التحليل والنقد، من حيث التصنيف وردها إلى أصولها التاريخية أو مصادرها، أو من حيث توضيح الصالح منها الذي يستند إلى دراسات واقعية جادة، وغير الصالح أو الذي يقوم على أخطاء ومغالطات.

دراسة النظريات الاجتماعية عند بيرس كوهين:

ومن الغريب أن بيرس كوهين، يشير في دراسة له بعنوان النظرية الاجتماعية المعاصرة إلى أن النظرية أشبه ما تكون بشيك مفتوح وأن قيمتها تعتمد على من يقوم باستخدامها، وعلى كيفية استخدامه لها، ووجه الغرابة أن هذا يعد مدخلاً  للذاتية المنافية للموضوعية العلمية المنشودة، وهذه الملاحظة تنطبق على النظريات السوسيولوجية بشكل واضح.

ويميز كوهين بين النظرية وبين القضايا التي تعبر عن وقائع موضوعية، فالقضية العلمية أو الواقعية هي عبارة تصف جزءاً من الواقع، مثل سقوط جسم معين إلى أسفل أو زيادة نسبة التعليم في مجتمع معين، أو ارتفاع معدلات جرائم معينة أو زيادة الإنتاج الصناعي أو قلة الهجرات من الريف إلى الحضر.

هذه القضايا الواقعية تعبر عن وقائع خاصة حدثت في الواقع، بعكس النظريات التي تركز على الفئات الكلية للوقائع من خلال إصدار تعميمات تصف الواقع وتفسره، بشرط أن تكون هذه التعميمات مستمدة من عدة قضايا واقعية جزئية.

وهناك عدة مراحل لبناء النظرية العلمية، تتمثل الخطوة الأولى في محاولة تفسير ظاهرة ما، وعادة ما تكون الظواهر الواقعية في العلوم الاجتماعية معقدة، مثل النمو الحضري أو تزايد حجم الهجرات أو سرعة النمو الاجتماعي أو تفكك الأسرة أو تزايد حجم الجرائم، بعكس الحال في الظواهر الطبيعية، هنا يطرح الباحث مجموعة من الممكنات النظرية أو الفروض المفسرة للظاهرة ولبعض مكوناتها.

ويأتي بعد هذا محاولة تحقيق هذه الفروض علمي، للكشف عن سلامتها في تفسير ما يراد تفسيره، أو فشلها في أداء هذه المهمة أي البحث عن صدق الفرض أو كذبه، وإذا اتضح أن الفرض صادق تحول إلى قضية محققة علمياً، ويعتمد التحقيق العلمي للقضايا بالاحتمالية أو الفروض على الملاحظة في صورها المتعددة، وهي قاعدة البحث العلمي التجريبي أو الواقعي.

وإذا كان على الباحث أن يعتمد على الملاحظات المفردة، فإن هذه الملاحظات يجب أن ترتب في شكل نظام معين يتيح للباحث إجراء المقارنات واكتشاف أوجه الشبه والاختلاف، والقيام بالتصنيفات العلمية اللازمة للوصول إلى النماذج والأنماط، إلى جانب إخضاعها للمعالجات الإحصائية لمعرفة المتوسطات والتوزيعات التكرارية معدلات التغير، وغير ذلك من العمليات التي تسهل الوصول إلى التعميمات، في صورة قضايا مبرهنة علمياً.


شارك المقالة: