ما هي النظرية الظاهراتية الحدسية؟
لقد تمثلت الحركة التاريخية للحدسية بالتقليد الفلسفي، الذي تصاعد في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، وارتبط بكل من إدموند هوسرل وهايدجر وبونتي وسارتر.
لكن هوسرل كان له إسهاماً أكثر في ازدهار المنهج الحدسي وشرحه، مما أدى إلى أن يكون الأكثر اشتهاراً من بين المؤسسين، وبعد ذلك دخلت الحدسية إلى التحليل علم الاجتماع بصورة واضحة، من خلال ألفرد شوتز الذي حاول دمج أفكار الفلسفة الحدسية مع علم الاجتماع، عبر نقد فلسفي ﻷعمال ماكس فيبر.
تركز الظاهراتية أطروحتها الرئيسية حول تكوين الخبرة والوعي، فكتشاف الأشياء في خبرتنا، والطرق التي نخبر بها هذه الأشياء، والمعاني التي تكتسبها الأشياء في خبرتنا، جميعها مرتكزات معرفية رئيسية في الحدسية، فالموضوعات والأحداث والأدوات وجريان الوقت والذات والآخرين، جميعها تبين في عالمنها المُعاش الذي نخبره ذاتياً، والأشكال المختلفة للخبرة الذاتية تتراوح بين التصور والفكر والذاكرة والتخيل والعاطفة والرغبة وإدراك الذات، وصولاً إلى النشاط الاجتماعي، بما في ذلك النشاط اللغوي.
يطرح ألفرد شوتز المنطق المعرفي للحدسية، بالتشديد على فكرة البين ذاتية كنقطة بدء مركزية، فالعالم الذي يعيشه الأفراد هو عالم بين ذاتي يتشارك الأشخاص في صناعته، وبعبارات شوتز، إنه عالم مشترك لدينا جميعاً، ليس لي بمفردي، ولكن هناك أشخاص آخرون يشتركون معي فيه، إنني أجد نفسي دائماً في عالم معطى تاريخياً، كما هو الحال بالنسبة للعالم الطبيعي والاجتماعي والثقافي، وجد قبل ميلادي وسيستمر في الوجود بعد أجلي.
ويثبت شوتز بأن البشر يتوصلون إلى معنى أي موضوع في عالمهم البين ذاتي، عن طريق التوجه إليه كمعنى، وليس كموضوع مادي، في ضوء ما نعرفه من خلال الحس البديهي الذي تشكل لدينا مسبقاً حول جميع الموضوعات التي نخبرها.
ويمكن القول، إن استثمار طروحات شوتز الظاهراتية في ملاحظة الخبرة الجودية المعاشة ومعانيها للأفراد في إطار علاقات القوة وتكويناتها، يعتبر إنجازاً عظيماً بالنسبة للنظرية السوسيولوجية، ولكن إذا كانت البنائية الوظيفية قد انفصلت في معرفتها عن نبض الحياة اليومية، كما يزعم الحدسييون، فإن الظاهراتية التي حاولت أن تعيد الصلة بين المعرفة العلمية وخبرة الحياة اليومية ونشاطها، تشارك البنائية الوظيفية الخطأ ذاته بتجاهلها لعلاقات القوة، وما تحدثه من أثر في سياقات المعنى.