النظرية النفسية المعرفية وتفسيرها للسلوك الإجرامي

اقرأ في هذا المقال


في السنوات الأخيرة تم تحقيق مكاسب كبيرة في تفسير السلوك الإجرامي في إطار النظرية المعرفية، وهنا يركز علماء النفس على العمليات العقلية للأفراد، والأهم من ذلك يحاول المنظرون المعرفيون فهم كيفية إدراك المجرمين للعالم من حولهم وكيف يمثلونه عقليًا، واثنان من علماء النفس الرائدين البارزين في القرن التاسع عشر هما فيلهلم وونت (Wilhelm Wundt) وويليام جيمس (William James).

مجالات النظرية المعرفية

هناك مجالان فرعيان للنظرية المعرفية جديران بالمناقشة وهما:

1- أول مجال فرعي هو فرع التطور الأخلاقي: والذي ينصب تركيزه على فهم كيفية تمثيل الناس للعالم وإدراكهم أخلاقياً.

2- الثاني هو معالجة المعلومات: وهنا يركز الباحثون على الطريقة التي يكتسب بها الناس المعلومات ويحتفظون بها ويسترجعونها، وفي النهاية يهتم العلماء بعملية تلك المراحل الثلاث (أي الاكتساب والاحتفاظ والاسترجاع).

فرع التطور الأخلاقي

تركز إحدى النظريات في الإطار المعرفي على التطور الأخلاقي والفكري، حيث افترض جان بياجيه (Jean Piaget) للأعوام من 1896 إلى 1980 أنّ عملية التفكير الفردي يتم تطويرها بطريقة منظمة، وهكذا من الولادة فصاعدًا سيستمر الفرد في التطور، وهناك رائد آخر في النظرية المعرفية هو لورانس كولبيرج (Lawrence Kohlberg) للأعوام من 1927 إلى 1987 الذي طبق مفهوم التطور الأخلاقي على النظرية الإجرامية.

مراحل التطور الأخلاقي

يعتقد كولبرج (Kohlberg) في عام 1984 أنّ الأفراد يمرون بمراحل التطور الأخلاقي، والأهم في نظريته هو فكرة أنّ هناك مستويات ومراحل وتوجه اجتماعي، والمستويات الثلاثة هي:

1- المستوى الأول مسبق.

2- المستوى الثاني تقليدي.

3- المستوى الثالث ما بعد التقليدي.

فيما يتعلق بالمراحل المختلفة تندرج المرحلتان 1 و 2 تحت المستوى الأول، وتقع المرحلتان 3 و 4 تحت المستوى الثاني وتقع المرحلتان 5 و 6 تحت المستوى الثالث.

المستوى الأول مسبق

المرحلة الأولى تتعلق بالطاعة والعقاب، وغالبًا ما يوجد هذا المستوى في مستويات الصفوف من رياض الأطفال حتى الصف الخامس، وخلال هذه المرحلة يتصرف الأفراد بطريقة تتفق مع المعايير المقبولة اجتماعياً، ويُعزى هذا السلوك المطابق إلى شخصيات ذات سلطة مثل الآباء أو المعلمين أو مدير المدرسة، وفي نهاية المطاف يتم فرض هذه الطاعة عن طريق التهديد بالعقاب أو تطبيقه.

كما تتميز المرحلة الثانية بالفردية والذرائعية والتبادل، وفي النهاية يشير التوصيف إلى أنّ الأفراد يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة وإدراك أن الآخرين يجب أن يفعلوا الشيء نفسه، وتؤكد هذه المرحلة أنّ السلوك الصحيح يعني التصرف بما يخدم المصالح الفضلى للفرد.

المستوى الثاني تقليدي

غالبًا ما يوجد المستوى التقليدي للتفكير الأخلاقي عند الشباب أو البالغين، ويُعتقد أنّ الأفراد الذين يفكرون بطريقة تقليدية هم أكثر عرضة للحكم على أخلاقية الأفعال من خلال مقارنة تلك الأفعال بوجهات النظر والتوقعات المجتمعية، وتقع المرحلتان الثالثة والرابعة تحت هذا المستوى من التطور.

في المرحلة 3 يدرك الفرد أنّه أصبح الآن عضوًا في المجتمع، ويتزامن مع هذا فهم الأدوار التي يلعبها المرء، وأحد المفاهيم المهمة في هذه المرحلة هو فكرة أنّ الأفراد مهتمون بما إذا كان الآخرون يوافقون أو لا يوافقون عليهم، على سبيل المثال إذا كان المرء محاميًا فما هو الدور الذي يتوقع منك المجتمع أن تلعبه؟ بشكل عرضي ما هو الدور الذي يلعبه رجال الدين في المجتمع؟ من المهم أن نلاحظ أنّ الإدراك وثيق الصلة بهذه المرحلة أيضًا، وفي النهاية تشير الأدبيات إلى أنّ هذا هو المكان الذي يحاول فيه الفتى والفتاة الطيبون التأكد من مكانته أو دورها داخل المجتمع.

فيما يتعلق بالمرحلة الرابعة تقوم الفرضية على القانون والنظام، ففي هذه المرحلة يدرك الأفراد أهمية القوانين والقواعد والأعراف، وهذا مهم لأنّه من أجل العمل بشكل صحيح في المجتمع يجب على المرء أن يطيع ويدرك الركائز الاجتماعية للمجتمع، وفي النهاية يجب على الأفراد إدراك أهمية الصواب والخطأ، ومن الواضح أنّ مجتمع بلا قوانين وعقوبات يؤدي إلى الفوضى، في المقابل إذا تمت معاقبة الفرد الذي يخالف القانون فسوف يدرك الآخرون ذلك ويظهرون الطاعة، وقد اقترح كولبرج في عام 1984 أنّ غالبية الأفراد في مجتمعنا يظلون في هذه المرحلة حيث تكون الأخلاق مدفوعة بقوى خارجية.

المستوى الثالث ما بعد التقليدي

توجد المرحلتان 5 و 6 على مستوى ما بعد التقليدي، ويشار إلى المرحلة الخامسة بالعقد الاجتماعي، وهنا يهتم الأفراد بالقيمة الأخلاقية للقواعد والقيم المجتمعية ولكن فقط بقدر ارتباطها بالقيم الأساسية للحرية ورفاهية الإنسانية وحقوق الإنسان أو بما يتفق معها، والمصطلحات الأساسية المرتبطة بهذه المرحلة هي قرار الأغلبية والتسوية.

غالبًا ما تسمى المرحلة 6 الضمير المبدئي، وتتميز هذه المرحلة بالمبادئ العالمية للعدالة واحترام الاستقلال الذاتي للإنسان، والأهم بالنسبة للعدالة الجنائية وعلم الجريمة هو فكرة أنّ القوانين صالحة فقط إذا كانت تستند إلى العدالة أو تستند إليها، ومن المهم أن ندرك أنّ العدالة ذاتية، وهكذا جادل كولبرج بأنّ السعي لتحقيق العدالة سوف يدعو في النهاية إلى عصيان القوانين الجائرة، واقترح أنّ الأفراد يمكن أن يتقدموا خلال المراحل الست بطريقة ترتيب زمني، ومن المهم بالنسبة لعلم الإجرام أنّ كولبيرج اقترح أنّ المجرمين أقل بكثير في تطور حكمهم الأخلاقي.

فرع معالجة المعلومات

الفرع التالي هو فرع معالجة المعلومات حيث تعتمد هذه المنطقة على فكرة أنّ الناس يستخدمون المعلومات لفهم بيئتهم، وعندما يتخذ الفرد قرارًا فإنّه يشارك في سلسلة من عمليات التفكير المعرفي، وللتوضيح يختبر الأفراد حدثًا ويقومون بتشفير أو تخزين المعلومات ذات الصلة بحيث يمكن استرجاعها وتفسيرها في وقت لاحق، وثانيًا يبحث هؤلاء الأفراد عن الاستجابة المناسبة ثم يحددون الإجراء المناسب، وأخيرًا يجب عليهم التصرف بناءً على قرارهم.

هناك بعض النتائج الحيوية فيما يتعلق بهذه العملية، فأولاً الأفراد الذين يستخدمون المعلومات بشكل صحيح هم أكثر عرضة لتجنب السلوك المنحرف أو الإجرامي، وثانيًا أولئك الذين تم تكييفهم لإصدار أحكام منطقية عند مواجهة أحداث عاطفية هم أكثر عرضة لتجنب القرارات السلوكية المعادية للمجتمع، ومن المثير للاهتمام أنّ تفسير التفكير الخاطئ هو أنّ الفرد قد يعتمد على عملية معرفية خاطئة، وعلى وجه التحديد قد يكون هو أو هي يتبع نصًا عقليًا تم تعلمه في الطفولة، والسبب الثاني الذي قد يفسر التفكير الخاطئ هو التعرض الطويل للعنف، أمّا الاحتمال الثالث للتفكير الخاطئ هو الحساسية المفرطة أو الرفض من قبل الوالدين أو الأقران.

من المحتمل أن يؤدي التفكير في عواقب الرفض أو الطرد طويل الأمد إلى إلحاق الضرر بتقدير الفرد لذاته، فقد أظهرت الأبحاث أن الأفراد الذين يستخدمون العنف كآلية للتكيف هم أكثر عرضة بشكل كبير لإظهار مشاكل أخرى مثل الاعتماد على الكحول والمخدرات.


شارك المقالة: