الواقع الاجتماعي وتأثير العبء الميتافيزيقي

اقرأ في هذا المقال


هناك أمور موضوعية في عالم الواقع تكتسب مصداقيتها من اتفاق الناس عليها، أي أنه ثمة أشياء توجد فقط لأننا نعتقد بوجودها، على غرار المال والممتلكات والحكومات والزيجات، غير أنه ثمة وقائع موضوعية تتعلق بها تلك الأمور، بمعنى أنها ليست أموراً من باب ما نفضله نحن وتفضله أنت.

الواقع الاجتماعي ووطأة العبء الميتافيزيقي

فقد أسميت الوقائع التي تعتمد على اتفاق الناس على قبولها الوقائع المرتبطة بالمؤسسة، وذلك على خلاف وقائع غير مرتبطة بالمؤسسة تدعي كذلك؛ ﻷنها تقتضي بالضرورة سلفاً وجود مؤسسات إنسانية شرطاً لوجودها، فلكي تكون تلك القطعة من الورق عمله ورقية من فئة خمسة دولارات مثلاً، لا بدّ أن توجد مؤسسة إنسانية للنقود، أما الحقائق العارية فلا يقتضي وجودها بالضرورة أو وجود مؤسسات إنسانية، ولكي نقرر وجود حقيقة عارية أو تنص عليها صراحة يقتضي الأمر بالطبع وجود مؤسسة اللغة، حيث أنه من الضروري أن نميز تلك الحقيقة من التعبير عنها والنص عليها.

كيف تصبح الوقائع المرتبطة بالمؤسسة أمر ممكن

لقد برهن كثير من الناس على أن الواقع كله إلى حد ما هو من صنع الإنسان، وليس ثمة حقائق عارية، وإنما يعتمد وجودها فقط على العقل الإنساني، إضافة إلى ذلك فإن أناساً عدة قد جادلوا في الفكرة التي تتفق مع الحس المشترك، عن وجود وقائع تجعل عباراتنا صادقة، وتجعلنا نستمد مصداقيتها من تطابقها مع تلك الوقائع.

بنية الواقع الاجتماعي المستترة

مما يجعلنا نتحمل عبء تلك الوطأة أن أبنية الواقع الاجتماعي المعقدة، إذا جاز التعبير ذات تركيب غير منظورة، ولا نستشعر ثقلها، فالطفل مثلاً يتربى في ظل ثقافة يتخذ فيها الواقع الاجتماعي أمراً مسلماً به، فنحن نتعلم كيف نستخدم أشياء من مثل السيارات وأحواض الاستحمام والمنازل والنقود والمطاعم والمدارس، وندركها دون أن نتأمل السمات الأونطولوجية الخاصة بها، ودون أن نعبأ بالأنطولوجيا الخاصة بها، إن وجودها يبدو لنا طبيعياً كوجود المياه والحجارة والأشجار.

وغالباً ما يتعذر علينا حقيقة أن نرى الأشياء بوصفها ظواهر طبيعية تجردت فقط من أدوارها الوظيفية، في الوقت الذي يتيسر لنا فيه أن نرى الأشياء المحيطة بنا وفقاً لوظائفها الاجتماعية المحددة، على هذا النحو يتعلم الأطفال أن يروا السيارات المنطلقة، والعملات النقدية وأحواض الاستحمام الممتلئة، غير أنه من خلال القدرة على التجريد فقط نتمكن من أن نرى في هذه الأشياء كتلاً معدنية ذات خطوط منحنية، وتجاويف حديدية مغطاة بسطح مصقول تمتلئ بالمياه.

المصدر: مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.


شارك المقالة: