الوظيفة الاجتماعية عند راد كليف براون:
شكلت إسهامات راد كليف براون، في تحليل مكونات البناء الاجتماعي في المجتمعات البسيطة، التي درسها أحد الروافد الأساسية للاتجاه الوظيفي، الذي يركز على دراسة وتحليل الوظائف الاجتماعية التي تقوم بها النظم، والأنماط الثقافية الأخرى المختلفة، بحيث أصبح التحليل البنائي نتيجة لذلك تحليل وظيفي في نفس الوقت.
ومن هذه المجتمعات التي درسها براون عشائر جزر الأندمان الواقعة شرق الساحل الهندي، كما درس بعض القبائل اﻷسترالية أيضاً، وقد أقام براون في جزر اﻷندمان مدة سنتين من 1906 – 1908، وشارك اﻷهالي في نشاطاتهم، ومناسباتهم، ليرصد عاداتهم، وتقاليدهم، وأنماط معيشتهم، ويحللها، ويبين وظائفها الاجتماعية، كما اعتمد على المرشدين، أو المعرفين أيضاً، وبخاصة في دراسته عن معنى ووظائف الأساطير لديهم، وشعائر الدفن، وعقاب الجريمة.
مفهوم الوظيفة عند راد كليف براون:
هو التأكيد على أن لكل وحدة من وحدات البناء الاجتماعي، وظيفة أو دور في المحافظة على بناء المجتمع، فوظيفة الأنماط المتكررة في الحياة الاجتماعية، مثل استخدام السحر أو شعائر الدفن أو عقاب الجريمة هو الدور الذي تؤديه هذه الأنماط في المحافظة على المجتمع ككل.
كما أوضح أيضاً أن وظيفة الثقافة ككل ربط أفراد، وجماعات المجتمع بعضهم ببعض، وتوحيدهم في بناءات اجتماعية تتمتع بدرجة مناسبة من الثبات، والاستقرار، تحدد بشكل مقبول، تدرج الأفراد والجماعات وعلاقتهم مع بعضهم البعض.
ويبدو براون هنا متأثراً بإميل دور كايم الذي ميز بين ما يسمى التفسير العلمي السببي، والتفسير الوظيفي لظاهرات المجتمع، فوظيفة الظاهرة في رأيه هي الدور، أو الإسهام الذي تقوم به في المحافظة على الكل، أي المجتمع، والوظيفة بهذا المعنى ليست سبباً لوجود الظاهرة، فمثلاً ظاهرة تقسيم العمل في المجتمع، تقوم بوظيفة هامة من حيث أنها أساس للتضامن العضوي للمجتمعات الصناعية الحديثة، أما أسبابها فتوجد في ظواهر مثل ازدياد كثافة التفاعل الاجتماعي، وتغير نمط العلاقات الاجتماعية من علاقات القرابة الأولية إلى العلاقات التعاقدية.
وأكد دور كايم أن تفسير الظاهرة الاجتماعية يبدأ بإجرائين مترابطين، الأول تفسير وجود الظاهرة، وحسب مبدأه المنهجي، فإن هذا السبب موجود في ظاهرة أخرى، والثاني توضيح الوظيفة التي تقوم بها، والتي تؤدي من خلالها دوراً في المحافظة على المجتمع ككل.