انكماش الوسائل المصدرية وتمددها في الفعل الاجتماعي:
ثمة ائتلاف قوي بين الوسائل ونظام الغايات، فيما يتعلق بعملية الاختيار، ولذلك فإن أنظمة الغايات المتمايزة تفضي بطبيعة الحال إلى وسائل متمايزة، وهنا يمكن كشف عن طلق آخر مغاير لمنطلق بارسونز في ترتيب العناصر الطوعية للفعل، لقد وضع بارسونز تعين الغايات قبل اختيار الوسائل، بحيث يختار الفاعل الغاية، ثم يختار من بين مجموعة وسائل ما يساعده في تحقيق غايته، وبالنسبة لبارسونز فإن هذا المنطق قائم على أن الوسائل تمثل العناصر الظرفية، التي يتمكن الفاعل من السيطرة عليها.
لكن إذا جرت عملية تعين الأهداف، ولم يتمكن الفاعل من السيطرة على الوسائل، فإن طرح بارسونز يصبح اعتباطياً، من حيث الرشد والعقلانية المتصلة بالفاعل، ويصبح الفعل قائماً على احتمالات الصواب والخطأ.
وحسب طروحات نظرية الاختيار العقلاني، مثلاً أننا نعرف ما هو دخلنا، ونعرف ما هي السلع والخدمات المتاحة لنا، ونعرف ترتيب الأشياء التي نرغب في الحصول عليها، ولذلك فإننا نستطيع ترتيب البدائل المتاحة لنا بحسب ما أفضل، ورغم التشوهات التي تحيط بهذا الطرح، إلا أنه ينطوي على فكرة مهمة واحدة على الأقل، وهي أننا نعرف ترتيب الأشياء التي نرغب والبدائل المتاحة بناءً على الوسائل التي نمتلكها، ومن هذا المنطلق، فإن امتلاك الوسائل وبالاتصال مع الغايات، يتصل بالوضع الاجتماعي للفاعل.
ومن هنا، فإن الفصل تحليلياً بين الظروف والوسائل، فقد يبدو اعتباطياً أحياناً، أو مضللاً وبصورة خاصة، عندما تكون الغايات أماني متخيلة، بسبب الافتقاد للوسائل المفضية إلى تحقيقها، وهذا يعني خلافاً لبارسونز، أن الوسائل قد تمثل الجانب الظرفي الذي لا يستطيع الفاعل السيطرة عليه.
يمكن اعتبار الوسائل مصادر للقوة، بل يمكن المصادر بذاتها، الوسائل التي تتحقق عن طريقها الغايات، فالمال، مثلاً يعد مصدراً للقوة، باعتباره وسيلة لتحقيق غايات مختلفة نسبياً، لكن المصادر ذاتها قد تكون غايات، يتم تحقيقها بموجب وسائل متوفرة، هي بمثابة مصادر قد تكون من نوع آخر، ومثال ذلك، أن بعض الصراعات الاجتماعية والسياسية تتوجه نحو مصادر القوة، باعتبارها غايات.
وبكل الأحوال، فإن طبيعة الوسائل والمصادر المتوفرة تمثل معياراً لتفاضل القوة، كما أن اقترانهما يتصل بإمكانية التحقيق، ولذلك من أجل تجاوز الفصل بين المصادر والوسائل، طبقاً لمقتضيات اعتبارها مرتكزات القوة، يمكن استخدام مفهوم الوسائل المصدرية، للتعبير عن الإمكانية الفعلية المتاحة لبلوغ الغاية.