هجرة اليهود إلى القدس:
إنّ تاريخ الوجود اليهودي في القدس يرجع إلى ما قبل 3000 عام، حيث بدأ وجودهم منذ الألف الأول قبل الميلاد، ففي العصر البابلي والعصر الروماني تم تهجيرهم ونفيهم خارج البلاد، بعد ذلك ازدادت أعدادهم في القدس أثناء فتح المسلمين لها في عام 634 ميلادي، ووفي أثناء ذلك تم رفع القوانين التي تم تطبيقها عليهم في ذلك الوقت.
لقد كانت أراضي الدولة العثمانية مكاناً آمنا بالنسبة لليهود الذين عاشوا ظروفاً صعبةً في غرب أوروبا، وزادت أعدادهم في الدولة العثمانية بشكل كبير، واستقر كثير من اليهود الذين أخرجوا من إسبانيا في الربع الأخير من القرن الخامس عشر في مدن كبيرة مثل إسطنبول وأدرنه وسالانيك، فقد كانت أعداد اليهود الذين تعرضوا لعملية الاستبعاد في كل من روسيا ويتوانيا والبرتغال وصقلية ورودوس وإسبانيا وغيرها من مناطق وسط أوروبا وشرقها.
لقد كانوا اليهود يشكلون نسبة قليلة من حيث العدد، فإنّ الذين جاءوا منهم إلى الدولة العثمانية استقروا في أراضي البلقان بشكل خاص، واستقر القسم الآخر منهم في مدن ذات أهمية كبيرة في فلسطين مثل القدس وخليل الرحمن والصقد وطبرية، واستمرت هجرة اليهود إلى الدولة العثمانية على فترات من الزمن، وكان هناك مستوطنين يهود في القدس والمناطق التي تقع في جوارها، في الفترة التي وقعت فلسطين تحت نفوذ الدولة العثمانية في عام 1517 ميلادي.
وفي الفترة التي تقع بين العام 1648 وعام 1660 ميلادي، تعرض اليهود في بولونيا وأوكرانيا إلى ظروف صعبة، مما دفعتهم إلى الهجرة إلى أراضي الدولة العثمانية، واستقر بعضهم في أحياء بلاط خاصکوي في إسطنبول، واختلطوا مع يهود القرائية المتواجدون هناك.
لقد رحل أعداد كبيرة من اليهود إلى أراضي الدولة العثمانية، بسبب ما عانوا منه من صعوبات جديدة في الأماكن التي كانوا يستقرون بها، وكان ذلك في الفترة التي بدأت بها الدولة العثمانية تفقد مقوماتها وتأثيرها في وسط أوربا مع بدايات القرن السابع عشر، بحيث كان لهم معبد في أزمير يأتي إليه من هاجر من أوربا في القرن السابع عشر.
إنّ الدولة العثمانية استمرت حتى نهايات القرن التاسع عشر لا توجد مشكلة بوجود اليهود في فلسطين، فقد عاش اليهود في هذه الفترة في مناطق الدولة العثمانية خارج أراضي فلسطين حتى انهيار الدولة العثمانية، ولم تحدث أيّ مشكلة فعلية مع اليهود الذين أصبحوا من رعايا الدولة العثمانية؛ وذلك لأنهم لم يكونوا متواجدين في منطقة معينة داخل حدود الدولة العثمانية، كما أنهم لم يتبعوا أي حركة انفصالية.
وفي عام 1837 ميلادي قام اليهود بأول هجرة عملية إلى فلسطين، وتم إقامة أول مستوطنة خاصة بهم في نهاية حكم محمد علي باشا، وفي تلك الفترة قامت الدولة العثمانية بمنح اليهود العديد من الامتيازات وحق الحماية، وفي عام 1837 ميلادي وصلت أعدادهم إلى 1500 نسمة، واستمرت في التزايد فيما بعد، فوصل عدد الذين سكنوا فلسطين إلى 15 ألفاً في عام 1860 ميلادي، و 22 ألفاً في عام 1881 ميلادي، بحيث كانت القدس من أكثر المناطق التي استقروا بها.
وفي عام 1859 ميلادي تم إقامة أول حي لليهود خارج إطار أسوار القدس، بحيث كان يعتبر المحاولة الأولى لليهود للاستيطان في القدس. لقد تعرض قيصر الروس الكسندر الثاني للقتل بسبب مؤامرة تمت ضده، وكان ذلك في الفترة التي اشتدت فيها المعارضة اليهودية في أوروبا وروسيا.
مستوطنات اليهود في فلسطين:
في عام 1882 ميلادي أسس المهجرون اليهود أول مستوطنة يهودية بعد مستوطنة يكفيه إسرائيل، والتي تقع بالقرب من يافا، بحيث أطلقوا عليها اسم ريشون ليتسيون وتعني الأولى في صهيون، وبعد مرور مدة من الزمن قاموا في إقامة مستوطنات أخرى صغيرة الحجم، مثل زیخرون يعقوب والتي تعني ذكريات يعقوب، بالإضافة إلى روش بینا والتي تم ترجمتها لتصبح حجر الزاوية، كذلك تاح تكوا والذي يعني باب الأمل.
لقد شعر المهاجرون الذين سكنوا تلك المستوطنات بالمعاناة وصعوبة تعلم أصول الزراعة؛ لأنهم لم يكن لأحد منهم أي معلومات تحيط في المنطقة في فلسطين التي يعيشون فيها، بحيث فقدوا أعداداً كبيرة منهم بسبب انتشار وباء الملاريا، ومجيء شخص يهودي ثري جداً المعروف باسم البارون أدموند دي روتشيلد، فقد قدم العون والمساعدة للمهجرين؛ وذلك من أجل التخفيف من معاناتهم، قد قام بإنفاق مبلغ يقدر ب 5 إلى 6 ملايين جنيه إسترليني عليهم.