اقرأ في هذا المقال
تطور الخدمة الصحية في علم الاجتماع الطبي:
نظراً لاختلاف الحضارات وتميزها بصفات وميزات خاصة بكل حضارة واشتراك الحضارات أحياناً في بعض الصفات والميزات فإن هنالك اختلاف في ثقافة كل حضارة عن الأخرى، وبالتالي النظر إلى الأشياء جميعها يكون مميزاً وخاصاً بكل حضارة كالنظرة إلى العلوم الاجتماعية والطبية.
فمنهم من نظر إلى العلوم الصحية والخدمات الصحية من اتجاهات اقتصادية ومنهم من نظر إليها من زاوية طبية بحتة، ومنهم من نظر من زاوية دينية أخلاقية؛ لأن اختلاف نوعية النظرة تختلف القرارات أو التعريفات أو المصطلحات لاتجاه هذه المصطلحات إلى نوعية الاتجاه أو الزاوية التي تنظر إليه من خلالها.
ولكن كان للتعاون المثمر والمستمر ما بين علماء الاجتماع وعلماء الطب في دراسة قضيتي الصحة والمرض الأثر الكبير في تطور العلوم الاجتماعية الطبية وكان للتطور الهائل في العلوم الطبية الأثر الكبير في تطور العلوم الاجتماعية الطبية، وكان للتطور الهائل في العلوم الطبية الأثر الكبير في تسارع الاهتمام بالعلوم الطبية عن طريق العلوم الاجتماعية والذي درس أهمية العلاقة الودية ما بين العلمين والذي أوجد لاحقاً علم خاص بهذه العلاقة هو علم الاجتماع الطبي.
ونظراً للأهمية الاجتماعية لقضيتي الصحة والمرض فقد ارتبطت المصطلحات والدراسات والاتجاهات الاجتماعية نحو القضيتين بأهمية اجتماعية، من نظرة طبية إلى نظرة اجتماعية معتمدة في نظرياتها وحقائقها وتفسيراتها ودراساتها على الارتباط الوثيق بين الطب والاجتماع كعلاقة متلازمة مترابطة متداخلة لا يمكن الفصل بينهما.
تطورت الخدمات الصحية قديماً بخطى بطيئة جداً لعدم وجود الدراسات والنظريات والقوانين السابقة ولعدم وجود الأخصائيين أو العلماء القادرين على رفد الصحة بنظريات أو أساليب أو مقترحات، لتقدمها وتطويرها ولعدم الاهتمام الشعبي والاجتماعي بهذه القضية لسيطرة أفكار في حينما كانت السائدة والرائجة والمعترف بها حتى أنها أصبحت ثقافة للمجتمع منغرسة به ومتأصلة ويجب الحفاظ والاعتقاد بها، وهي إلزامية لسيطرة رجال الدين على هذه الثقافة من جهة وسيطرة المشعوذين والسحرة من جهة أخرى.
حتى وصل الأمر إلى معالجة الأمراض العضوية بواسطة السحر والشعوذة والأرواح لسيطرة الطابع الروحاني على الطابع الواقعي المعاش في تلك الحقبة الزمنية، حتى سمي هذا العلاج بالطب اللاهوتي الذي خلفيته العلمية هي الأديان والمعتقدات الدينية السائدة لاعتبارات روحانية بحتة.
حتى أصبح راسخاً في أذهان هذه المجتمعات أن العناية بالمريض أو المعاق هو أسلوب التقرب من الألهة وجزء مهم من الطقوس والعبادات والولاء والانتماء للآلهة أي لاعتبارات دينية وليس لاعتبارات طبية أو علاجية.
فقد جرت العادة على إحراق أو قتل أو إغراق المعاقين والمرضى في الأنهار؛ لأنه في اعتقاداتهم الدينية أن المرض نتيجة غضب الآلهة على هذا الشخص فقد ولد معاقاً أو مريضاً ويجب القضاء عليه لإرضاء الآلهة.
علم الاجتماع الطبي ودراسته لقضيتي الصحة والمرض:
أصبح علم الاجتماع الطبي يقوم بدراسة هذه المجتمعات ونظرتها لقضيتي الصحة والمرض، وأصبح هنالك ارتباط وثيق بين هذا العلم وهذه المرحلة، هذا مع الاختلاف بين مجتمع وآخر في نظرته للمريض والمعاق وكل حسب ثقافة المجتمع وسيطرة الدين ورجال الكنيسة والمشعوذين والسحرة.
من هذا المنطلق نلاحظ أن ثقافة بعض المجتمعات القديمة أثرت تأثيراً سلبياً على تطور الخدمات الصحية والطبية للاعتقادات الدينية الخاطئة، التي بطئت من تطور الخدمات الصحية وحالت دون النهوض والبحث أو الدراسة في مجال الصحة لعدم اكتراثهم بالأمور العلمية وتركيزهم على الأمور الدينية فقط.
وبقيت قضية تطور الصحة بين مد وجزر تنتعش أحياناً باهتمامات خاصة غير معممة وتتراجع تارة لاعتبارات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، تتقدم أحياناً باهتمام ذوي الاختصاص وتتراجع أحياناً لعدم وجود الاهتمام أو الدعم أو التعزيز الكافي.
حتى دخلنا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي بدأت فيه بوادر الاكتشافات والعلوم المختلفة بالظهور لتقدم الشعوب في التكنولوجيا ووجود الثورة الصناعية التي غيرت مفاهيم كثيرة، وأوجدت ما يسمى الحاجة أم الاختراع لحاجتها للإنسان الذي سيدير وينتج في هذه الثورة الصناعية التي لاحقاً غيرت مجرى العالم واختلفت واختلت الموازين.
الأمر الذي مهد الطريق للاهتمام بالصحة العامة وحاجة المجتمع الصناعي للاهتمام بالاكتشافات والدراسات الطبية، لا سيما ظهر مجتمع جديد يسمى بمجتمع المهنة وظهور الأمراض المهنية التي تصيب أشخاص يمتهنون مهنة معينة تحت ظروف بيئية واجتماعية ومهنية واحدة، ناتجة هذه الأمراض من تعرض الأشخاص لظروف بيئية واجتماعية ومهنية واحدة مثل المواد الكيماوية الناتجة عن الصناعة والتفاعلات الكيماوية أو التعرض لإشعاعات معينة أو ظروف سكنية ناتجة عن الرطوبة الزائدة.
وظهر تطور علم الاجتماع الطبي في دراساته وأبحاثه واهتماماته ومجالات البحث في هذا العلم لا سيما أن التطور العلمي والتكنولوجي وحاجة المجتمع لهذا العلم، وأصبح المنهج للدراسات الميدانية نهجاً منظماً حسب نظريات منهجية البحث العلمي الذي يقوم على دراسات واقعية واضحة ضمن تخطيط مسبق ومدروس لاعتبار أن منهجية البحث العلمي لا تؤكد النظريات إلى بعد ثباتها وصدقها.